منذ أن خرجت حاملة الطائرات الأميركية مؤقتاً من منطقة البحر الأبيض المتوسط، عمل الروس على استعراض عضلاتهم العسكرية. فخلال الشهرين الماضيين، قامت 28 طائرة هجوم روسية تتمركز في اللاذقية بقصف أهداف سورية من الجو - خاصة عناصر المعارضة بدلاً من مقاتلي تنظيم داعش- في حين ساعدت الشحنات الأخيرة من العربات المدرعة والأسلحة والطائرات العمودية والمستشارين على تقوية قوات النظام.

وفي 20 نوفمبر الحالي، طلبت موسكو من لبنان إغلاق مجالها الجوي، بما في ذلك مطار بيروت الدولي، لمدة 72 ساعة لكي تستطيع القوات الروسية إجراء تمارين عسكرية. وكان هذا التصعيد التدريجي للقوة العسكرية بمثابة رسالة استراتيجية واضحة تشير إلى رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التأثير على الشؤون الإقليمية.

ولذا، فإن قيام حاملة الطائرات "ترومان" بشن ضربات لعدة أيام من شرق البحر الأبيض المتوسط سيكون رداً مناسباً. وقد تعمل مجموعة حاملة الطائرات الضاربة، التي تشمل أربعا من سفن السطح الأخرى، في نفس المياه التي يعمل فيها أسطول روسي مكون من أربع سفن حربية كانت قد أطلقت صواريخ "كروز" على أهداف سورية الأسبوع الماضي. إن الطرق المؤدية إلى أهداف تنظيم داعش من البحر الأبيض المتوسط قد تمر عبر المجال الجوي التركي إلى الشمال مباشرة من المناطق التي يسيطر عليها النظام في سورية، وبالتالي ضمن مدى أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة الروسية المتطورة، لذلك فإن موجهي حاملة الطائرات "ترومان" وطياري البحرية لا بد أن يكونوا حذرين جداً، بينما يعملون على تخفيف خطر الاحتكاك مع أقرانهم الروس، وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه في أواخر سبتمبر.

ومع ذلك، ينبغي ألا يكون هناك أي تنسيق مع الروس بما يتخطى تخفيف خطر الاحتكاك، وبالتأكيد عدم القيام بعمليات مشتركة. كما يجب ألا تكون الرسالة إلى بوتين تصعيدية أو استقطابية، بل مؤشراً فقط على أن القوات الأميركية تعمل في الأماكن والأوقات التي تراها مناسبة لها، سعياً لتحقيق مصالح الولايات المتحدة.

وللتقليل من هذه المخاطر، يجب أن يكون بقاء حاملة الطائرات "ترومان" في البحر المتوسط لفترة وجيزة، ويليه على الفور انتقالها المباشر إلى الخليج العربي. إن العودة السريعة إلى الخليج مهمة أيضاً لإعادة طمأنة الشركاء التقليديين هناك حول التزام واشنطن تجاه المنطقة، ولتذكير إيران بأن هناك قوات كبيرة تتمركز مرة أخرى على مقربة منها لمواجهة أي تهديدات لحرية الملاحة أو للمصالح الأميركية الأوسع.

ولزيادة الأهمية، يجب على واشنطن أن ترد على أي رد فعل سلبي من قبل الروس حول الوجود الأميركي على مقربة من قواتهم من خلال الإعلان بوضوح عن هدف تمركز حاملة الطائرات هناك، أي: إعادة تأكيد الدور القيادي الذي تلعبه الولايات المتحدة كجزء من الرغبة القائمة منذ فترة طويلة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.