رغم ثروات البلاد الهائلة، يعاني معظم المجتمع الإيراني من تدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر، علاوة على الأعداد الكبيرة التي سلكت طريق المخدرات للهروب من الوضع المعيشي السيئ الذي يعانون منه، بسبب البطالة أو عدم حصولهم على دخل كاف يضمن لهم حياة كريمة، في ظل انتشار المخدرات بأسعار رخيصة جداً.

بسبب هذه المشاكل الاقتصادية الصعبة، تلجأ بعض الأسر إلى التخلص من أغلى ما تملك، فلذات أكبادها، للحصول على دراهم معدودة يتم استخدامها إما للصرف على بقية أفراد الأسرة أو تأمين تلك الآفات والسموم "المخدرات" التي أدمن عليها الأبوان كلاهما أو أحدهما.

كما أن هناك ظاهرة أخرى في بعض المدن الإيرانية الكبرى مرتبطة بهذا الموضوع، ألا وهي اختفاء بعض الأطفال بشكل مفاجئ، إذ تشير التقارير إلى اختفاء ما معدله طفلان يوميا في العاصمة طهران. 

من يقرأ التقارير التي تظهر بين الفينة والأخرى عن الاتجار بالأطفال في إيران يفاجأ كثيرا بما وصل إليه المواطن الإيراني في المدن الكبرى والقرى والمحافظات من تعاسة مالية واجتماعية، بينما يقف النظام الإيراني موقف المتفرج دون أن يحرك ساكنا.

ظاهرة بيع الأطفال في إيران ليست محصورة في المدن الكبرى، مثل طهران، بل وصلت إلى محافظات وقرى مثل "ساري" و"آمل" في شمال إيران.

فعلى سبيل المثال، تطالعنا إحدى الصحف هناك بقصة عائلة إيرانية في طهران لديها طفل واحد، ثم حملت الأم وأنجبت طفلين آخرين "توأم"، مما اضطر العائلة التي تعاني من الفقر ولا تملك قيمة الحليب إلى بيع أحد الطفلين حديثي الولادة!

نعم، لقد قررت العائلة بيع هذا الطفل لعائلة ثرية، هذا من جانب، ليعيش حياة قد تكون أفضل له ولمستقبله، ومن جانب آخر، ليحصل الأبوان على بعض النقود التي ربما تعينهما على صعوبات الحياة وتسهم في تربية الطفلين الآخرين.

هذه قصة واقعية وليست حبكة درامية أو قصة سيتم كتابة سيناريو تفصيلي وإخراجها لتعرض في دور السينما العالمية. نعم، تعيش هذه العائلة في أحد أحياء شرق العاصمة الإيرانية طهران.

قبل نحو عامين، نشرت صحيفة "اعتماد" الإيرانية الشهيرة تقريرا مرعبا ومؤلما حول ظاهرة الاتجار بالأطفال في البلاد، والتقت الصحيفة بعائلة في حي "دوازده غار" شرق العاصمة طهران ونقلت تفاصيل معاناتهم. يشير التقرير إلى أن سعر الطفل لا يتجاوز 400 ألف تومان "111 دولارا" فقط تدفع للأبوين و7-8 ملايين تومان "1944-2222 دولارا" يحصل عليها السمسار.

من جانب آخر، يذكر محمد لطفي، عضو جمعية الدفاع عن حقوق الأطفال في إيران لموقع "دويتشه" الألماني، أن لديهم معلومات كثيرة حول ظاهرة الاتجار بالأطفال في البلاد، إلا أنها لا تزال محدودة نسبيا ولا توجد أرقام أو إحصاءات دقيقة حول عدد الأطفال الذين تم بيعهم. ويعزو لطفي الدافع وراء جنوح بعض الأسر نحو بيع فلذات أكبادها إلى الإدمان على المخدرات، إلا أنه يؤكد على أن هناك بعض الأسر التي تقدم على ذلك بسبب العوز والفقر الشديدين، وعدم قدرة الأبوين على توفير الاحتياجات الضرورية لأطفالهم.

ناشط آخر في حقوق الأطفال، رفض الكشف عن اسمه، قال للموقع الألماني ذاته: "بحكم اهتماماتي، أعلم أن حالات بيع الأطفال والاتجار بهم رائجة في البلاد، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة في هذا الجانب". وحول كيفية استغلال هؤلاء الأطفال، يقول: "يتم استغلال هؤلاء الأطفال من بعض رجال الأعمال، إذ يتم إدخالهم إلى سوق العمل في سن مبكرة جدا، بحيث يصبحون من القوى العاملة في شركات هؤلاء التجار ومؤسساتهم ومصانعهم، كما يتم استخدام هؤلاء الأطفال الأبرياء في عمليات تهريب المخدرات وترويجها وعمليات التهريب بشكل عام، علاوة على إجبارهم على التسول ونحو ذلك".

وخلال الأسابيع القليلة الماضية طالعتنا إحدى وسائل الإعلام الإيرانية بخبر يتحدث عن انتشار ظاهرة بيع الأطفال حديثي الولادة، بالقرب من أحد المستشفيات الكبيرة في العاصمة طهران.

تحدث التقرير أن سعر الطفل الواحد يراوح بين 100-200 ألف تومان "27-54 دولارا أميركيا".

ليست هناك تفاصيل كثيرة عن أسباب ظاهرة بيع المواليد تحديدا، ولكن ربما يكون الدافع إما الفقر والعوز كما هو الحالة لذوي الأطفال الأكبر سنّا، أو أنه تم إنجابهم خارج نطاق الزوجية، وبالتالي يتم التخلص منهم مع كسب بعض المال اليسير.

كثير من التقارير نشرت في صحف إيرانية ومواقع أجنبية، حول ظاهرة الاتجار بالأطفال في إيران، تلك الدولة التي وهبها الله ثروات لا تحصى من النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة، علاوة على الثروات الطبيعية المتعددة، ومع ذلك لم تنعكس عائدات تلك الثروات على المستوى المعيشي للمواطن الإيراني، والأسباب معروفة -بكل تأكيد- لدى كل متابع لتصرفات النظام الحاكم في إيران.

إن صرف أموال الشعب الإيراني على الميليشيات وفرق الموت في المنطقة، وتمويل الجماعات الإرهابية، قد أوصل المواطن الإيراني إلى هذه الحالة المعيشية المتردية، ولسان حال كل واحد منهم يردد: "فهل من فرج قريب؟!".