منطقياً: أفضل وسيلة للتعامل مع الناس هي فهمهم. في كتاب آدم سميث (نظرية المشاعر الأخلاقية) -والذي لم أجد له ترجمة عربية حتى الآن- يتعلم المرء ما هي دوافع تصرفات الناس مع بعضهم البعض؟ لماذا نفرح؟ لماذا نحزن؟ من هم الذين نحبهم ولماذا نحبهم؟ ما هي دوافع الحب؟ دوافع الكره؟ وعن التعاطف مع الآخرين والشفقة وغيرها من المشاعر الإنسانية، بل ويذهب سميث إلى أبعد من ذلك حيث يسمي خيالنا الذي نرى فيه أنفسنا نتصرّف لنقيم سلوكياتنا بـ"المتابع المحايد". ثم يكتب رأياً متطرفاً لكنه واقعي إلى حد ما؛ وهو أن سبب محبة الناس لشخص ما غالباً ما يعود لكون هذا الشخص ثريا أو ذا سلطة أو مشهورا. ورغم أن هذا الكتاب أقل شهرة من كتاب سميث الثاني (ثروة الأمم) إلا أن هذا الآخر يختلف عن الأول من حيث إنه إنساني وفلسفي وليس اقتصادي وتجاري.

شيء آخر يميز هذه الدراسة الفكرية (نظرية المشاعر الأخلاقية) وهو اعتمادها على تحليل علمي للمجتمع البشري وأخلاقياته، مما يجعل الانتفاع به كمرجع فلسفي يستمر في أي عصر وأي مكان وليس فقط على العصر الذي كُتب فيه كما هو الحال في كثير من الكتب الفلسفية الأخرى، وهذا ما أثبته المفكر الأميركي المعاصر Russ Roberts الذي قام بتأليف كتاب عنوانه: (كيف يمكن لآدم سميث أن يغيّر حياتك). والذي طبق فيه آراء سميث الاجتماعية التي كتبها عام 1750 على عدة قضايا، وكذلك على شخصيات إعلامية معاصرة أو حديثة مثل "ليدي جاجا ومارلين مونرو" ليثبت لغيره من الأكاديميين والمفكرين فاعلية آراء سميث الفلسفية والفكرية التي تقود للسعادة في فهم الحياة، بواسطة تحرير القارئ من تقديس الأشخاص والعناوين الإعلامية وغيرها من معطيات الحياة اليومية.

يولي سميث اهتماماً كبيراً للتعاطف والتعاون المتبادلين بين الناس قائلاً: "بدون محبة واحترام متبادلين بين أفراد المجتمع، لن تكون هناك أي التزامات فيما بيننا، وبالتالي سنعجز عن تحقيق المساعي الحميدة".

ولكن ما هو أكثر ارتباطاً مع واقعنا اليوم هو حديثه عن أولئك الذين يعتقدون أنهم يجذبون انتباه الجماهير بدون جهد، من حيث إنهم عادةً لا يحصلون على محبة الناس كما هو حال الذين يعملون وينجذب لهم الناس من تلقاء أنفسهم. يذكرني هذا الجدل ببعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا الذين يفعلون الكثير من الممارسات الخاطئة والمعيبة أمام الكاميرا فقط كي يحظوا بعدد أكبر من المتابعين! أمثال هؤلاء، وفقا لآدم سميث، لن يحصلوا على محبة الناس الصادقة والمستمرة. إضافة إلى أنهم ينقلون صورة غير دقيقة عن مجتمعاتهم -التي أتوا منها- للآخرين، ربما من هذا المنطلق حُري بنا كمختصين في الإعلام والدراسات الثقافية قراءة سميث.