يمكن القول إن مسار التركيز الذي بات واضحاً من خلال مهرجان جدة التاريخية في نسخته الثالثة "كنا كدا3" الذي انطلق قبل يومين ، يتمثل في إعادة صياغة منظومة المهن التي سادت في محيط حواري سورها القديم قبل هدمه في 1947، في قالب ثقافي عصري.

فالمهن التي اندثرت قبيل خمسة عقود تقريباً، أضحت اليوم مزاراً يطل عليه، لكل من أراد أن يغرف من حقبة ذلك الزمن، فباتت اليوم في عموم مسار الذكرى، إلا أن وجودها ضمن فعاليات المهرجان، يحمل الكثير من الدلالات للجيل الجديد، الذين لم يعاصروا تلك الفترة إلا عبر الحكايات، أوالكتب التي لم تستطع - رغم أهميتها- تخليدها في الصورة الذهنية للشباب.

"فرقنا، السقا، المسحراتي، المكوجي، اللبان، الفوال، مجهز العرسان"، مهن غادر بعضها مع التوسع الذي صاحب التطور المدني في جدة، وبقي القليل منها ولكن بصور مختلفة في التطبيق الواقعي، وتعود هجرة بعض المهن إلى انتقال أهل المنطقة الأصليين إلى ضواح جغرافية مختلفة.

استعراض المهن

قالب استعراض مهن الأجداد جاء باستجلابها في صورة نمطية تمثيلية، تحاكي بعضا من جوهر ذاك الزمان، إذ كان لها تأثير واضح وبالغ على أهل المنطقة بحواريها الأربع الرئيسة التي شكلت جدة قديماً، وبنت جزءا من المجتمع الصناعي لتاريخية جدة.

"فرقنا" كان يجوب حواري "الشام والمظلوم، والبحر، واليمن"، متنقلاً بحمالته التي كانت تتكئ على ظهره، وتسمى "البقشه"، وتحتوي على أنواع من الأقمشة، وبعضا من مستلزمات بيوت ذلك الزمن، ولم تكن تسعيرته تتجاوز بعض القروش.

بينما يجوب "السقا" أزقة الحواري، ليروي عطش أصحابها، عبر عربته الخاصة التي كان يجرها البغل، مقابل تسعيرات خاصة بكل جرة ماء يرغب الأهالي في تعبئتها.

اللافت أن "كنا كدا 3"، استطاع ولو بالنزر اليسير إعادة تفاصيل ثقافة تلك المهن والموروث الشعبي السائد في تلك الحقبة، الذي اندثر منه الكثير بسبب عوامل التعرية الجغرافية، ونسيان الإنسان الجداوي.