منحنا الله عقلا نفكر به، ومع ذلك قد نعطل عقولنا دون قصد، حين نردد عبارات ومقولات تعلمناها صغارا، ثم أضحت مسلمات لا جدال فيها، منها التمسك ببعض العادات أو التقاليد أو الموروثات ورفعها إلى منزلة التقديس المنزه، بل وجعلها أحيانا في مقام الكتاب والسنة!
كنت أتأمل في بعض الظواهر المجتمعية، وفي خلوتي مع نفسي وسوس لي شيطاني اللعين قائلا: هل كان لدى السلف دائرة تلفزيونية؟ فأجبته لا! ثم عاجلني بسؤال آخر قائلا: هل ورد عن السلف الصالح ذكر لفظ "البارتشن"؟ فأجبته لا! عندها علمت أن شيطاني اللعين يستفز ما تبقى من خلايا المخ، فاستعذت منه مباشرة حتى ولّى عني وتركني في حيرة من أمري، وما لبثت أن استرجعت كلامه، وتخيلت منظر الندوات الثقافية أو الأدبية حين تتحول الأمسية إلى لغز كبير بين الضوابط الشرعية والعقل والمنطق!
دعونا نقلب طيات عاداتنا وأفكارنا ونسأل أنفسنا: يا تُرى كم من مسلمات نتداولها ونطبقها ولا أصل لها في الشرع؟ كم من ضابط شرعي ليس له أي مبرر شرعي؟ ما المنطق مثلا من تجريم الاختلاط في معاقل الفكر والثقافة بينما خلوة "الدرة المصونة" بسائقها جائز؟! كم من بذخ باسم الكرم وإكرام الضيف نرتكب؟ كم من أفراد يرتكبون كبيرة من كبائر الذنوب "الكذب" من أجل منع "معصية"؟!