عندما يدور الحديث عن المنطقة التاريخية في جدة، فإن زواياه لا تنحصر بين مدلولات مبانيه العتيقة، أو حاراته الشهيرة التي أصبحت أحد معالمها البارزة والشاهدة على حقبة تمتد أكثر من ثمانية عقود، بل يمتد الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، حينما تسلط فعاليات "كنا كدا 3"، على جانب صحي، يمس أهم جانب في جسم الإنسان، ألا وهو "علاج الأسنان"، وطريقته السائدة في المنطقة.


حشو وتركيب

هنا، بين مسارات فعاليات مهرجان جدة التاريخية، استرجع "حكيم الأسنان" جيلا يمتد أكثر من نصف قرن، طريقتهم في علاج أهل المنطقة قديما، أمام جيل عيادات الأسنان المتخصصة، والذين استوقفهم الأمر كثيرا، وأمعنوا النظر بشكل مركز في الأدوات المستخدمة التي كانت تستخدم على سنين آبائهم وأجدادهم، حينما كانوا يهموا بعلاج آلامهم.

أحمد ووليد لم يتعد ربيعهم العاشرة، إلا أن أسئلتهم باغتت كثيرا مشرف الجناح، عن حشو الأسنان أوخلعها، أو تركيبها، وامتد حال الاستفسار لديهم إلى حد كبير، وهو ما يعني اختلاف جيل العلاج بينهم وبين أجدادهم.

هنا، أمام جناح علاج الأسنان قديما، لا مكان للمقارنة مع العيادات المتخصصة، بل إن توجه الجميع كان يسير وفق اتجاه واحد فقط، تعزيز قيمتهم المعرفية بالطريقة العلاجية التي كان أهالي جدة القديمة قبل هدم سورها في 1947، يستخدمونها حينما كانت تئن أوجاع أضراسهم.




حارة المظلوم

أنظار الجميع، خصوصا الأطفال، شاخصة أمام المعدات التي كان يستخدمها حكماء الأسنان في علاج آلام مرضاهم، وعند الحديث عن هذه الحقبة التاريخية، فإن ذلك يقودنا مباشرة إلى أزقة حارة المظلوم، إحدى الحارات الأربع التي شكلت جدة قديما، خصوصا أمام أول وأقدم عيادة أسنان في التاريخية، والتي أسسها الدكتور الحكيم عباس شرقاوي الملقب بـ"أبو السنون"، قبل 91 عاما لتركيب الأسنان وعلاجها.

أبو السنون، كان أول طبيب يحصل على تصريح رسمي من الصحية لمزاولة مهنته التي درسها في تركيا عام 1924، في وقت لم يعرف فيه سكان العروس أي طرق لعلاج أسنانهم، ليورثها لأبنائه من بعده الذين زاولوا المهنة بعد وفاته، وليفتح كل منهم عيادته الخاصة بين حواري جدة "داخل سورها"، لخدمة أهاليهم.





سن ذهب

إحدى الروايات التاريخية التي ترويها حفيدته "جدها لأمها" رسمية سمكري، أن الناس، أهالي القرى المجاورة، كانوا يقطعون مسافة أيام للوصول إلى عيادة حكيم الأسنان، لعلاج آلامهم.

الأسعار التي كانت سائدة في ذلك الزمن لا يمكن مقارنتها بجيل العيادات المتخصصة، فالخلع والحشو لم يكن يتجاوز الـ10 ريالات، فيما تركيبة السن الواحدة تقترب من الـ15 ريالا، بل كانت هناك موضة بين شباب المنطقة قديما المقدمين على الزواج، بتركيب سن ذهب لهم، كتعبير عن فرحتهم بحياتهم الأسرية الجديدة.