يستحيل عزل حجاب المرأة "العرفي" في بلادنا وفي غيرها، عن الجانب الأمني، إذ هناك فرق واضح بين الحجاب "الشرعي" وبين الحجاب "العرفي".
فالحجاب "الشرعي"، يعني تغطية الرأس وكافة سائر البدن عدا الوجه واليدين، أمَّا الحجاب "العرفي" فيتنوع بين النقاب، واللثمة، والبرقع، وتغطية الوجه كاملا واليدين وسائر البدن، ومع أي نوع من الحجاب "العرفي" يستحيل معرفة المرأة، بل قد يصعب كثيرا معرفة إن كانت أنثى أو رجلا يرتدي الحجاب "العرفي"، وهناك حالات كثيرة يكتشف فيها الأمن أن المحجب المجرم رجل، وهذا الاكتشاف يتم بعد القبض والتحقق، ونحن نعرف أن دولا كثيرة تمنع الحجاب "العرفي" قانونيا، ليس لأن مسؤوليها وبرلماناتها جياع لرؤية وجوه المتحجبات "عرفيا"، لكن لأنهم يعلمون أن الوجه بالذات عنوان هوية الإنسان، وإخفاء هذه الهوية يثير الشكوك عندهم، ويضر بالأمن وغيره، ثم إنهم يعرفون أنه لا توجد ديانة ولا عقيده تفرض غير "الحجاب الشرعي" الذي يستثني الوجه واليدين في شريعة الإسلام، حيث معظم المذاهب والفقهاء المعتبرين تحدده بجواز كشف الوجه واليدين، وفرض الحجاب على هذا النحو "الشرعي" لا يتعارض مع الحرية.
فكما أنك حر في تحديد الألوان داخل بيتك، أمَّا خارجه فيجب الالتزام بالشكل العام الذي تفرضه البلدية، وهو مفروض في معظم بلدان العالم إلا عندنا، فقد فرضته البلديات زمان، ثم تهاونت فيه أو تراجعت عنه، ولا أعرف السبب، مع أن الشكل الخارجي للمباني ذوق وحق عام، وليس خاصا.
المهم الآن أن الفرق واضح بين الحجاب "الشرعي" وبين "العرفي" الذي تكرس بيننا من خلال فتاوى وأعراف حتى أصبح أمرا مقدسا، ولا يجوز المساس به مع أن أهل القرى وكثيرا من مناطق المملكة لم يكونوا يعرفونه قبل ما سمي بـ"الصحوة" وهو ليس ملزما -أقصد تغطية الوجه- ويجوز عكسه، والأمر فيه يسر، وأضرار الحجاب "العرفي" الأمنية واضحة ومعروفة.
الطريف أن هناك نساء حصلن على بطاقة الأحوال المدنية، وبصورهن، والجوازات بصور منذ زمن، لكن بسبب ضرورة التأكد من هوية حامل الجواز اضطرت الدولة إلى إنشاء أقسام نسائية في المنافذ لهذا الغرض، أما الهوية الوطنية، فعلى الرغم من أن نساء كثرا يحملنها، وحجابهن "شرعي" أي وجوههن مكشوفة، إلا أن بعض الجهات لا تقبل بطاقاتهن، بل وبعضها حين تحتاج إلى تصوير البطاقة تغطي الصور، وقد حصل لي موقف مع قاض، طلبني إبراز "بطاقة العائلة" بعد أن قدمت له "بطاقة الأحوال لزوجتي" بسبب صورتها، وقد يقول قائل إن "البصمة" تكفي، وأجهزتها متوافرة في كل مكان، ولكن الحقيقة أنها غير كافية وإلا لما احتاجت أن تصدر الدول كلها، هويات وطنية، وجوازات، واكتفت بالبصمة.
أنا لا أريد أن أقول لنفرض "الحجاب الشرعي" ونلغي الحجاب "العرفي"، –معاذ الله– وإنما الذي أريده أن يعتمد خطابنا الديني من الفقهاء والمفتين أسلوبا علميا في توضيح الخلاف الفقهي حول هذه المسألة، وأقوال الفقهاء المعتبرين فيها، وكما نعلم أن أكثر المذاهب والفقهاء يختارون "الحجاب الشرعي" الذي يستثني الوجه واليدين، ولا نُصرّ على تكريس تحريم هذا النوع من الحجاب "النوعي"، ونُصر على تغطية الوجه واليدين، فللفقيه -أي فقيه- أن يرجح ويختار ما يراه، لكن لا يحرم ولا يجرم من لا يأخذ بفتواه، لمساعدة الناحية الأمنية من جهة، ولنتيح للمرأة حرية الاختيار بينهما، وكل ذلك مباح لها، شريطة ألا تتزين بصورة لا تناسب الخروج والسوق والشارع، بحيث يتحول الأمر إلى تبرج، فلو اعتمدنا مثل هذا المباح شرعا فسنجني منه فوائد كبيرة على كل المستويات، وأهمها المستوى الأمني، وتقليص مساحات الانحراف التي يتيحها الحجاب "العرفي"، سواء كانت تحرشا أو ما هو أكبر! وهي ليست أقل أهمية من الأمن.