بينما يوجد في المملكة 2.2 سرير في القطاع الحكومي والخاص لكل 1000 نسمة، يوجد في إثيوبيا 6 أسرة لكل 1000 نسمة، مع أن سكانها أكثر من 90 مليون نسمة، وفي مالطا 4 أسرة لكل 1000 نسمة، ولكن دون قيمة مضافة، هو سرير في مستشفى أو مستوصف واستيراد علاج وجهاز ودون قيمة مضافة. وما يوجد حاليا في إثيوبيا ومالطا هو ما نستهدف الوصول إليه مستقبلاً دون قيمة مضافة.

الخصخصة هي الطريق السليم في بيئة متقدمة، ولكن ما نحن به الآن، يتطلب الدور الحكومي في تطوير القطاع أولاً، واستمرار القطاع الخاص بالزيادة التدريجية. الحديث عن الخصخصة أصبح "بريستيجا" وتقليدا لدول الغرب المتقدمة، ولم ينظر لها في تحقيق الأهداف من خلال استراتيجيات ترتقي بطموح البلد. القطاعات الحكومية المعنية تتخلى عن مسؤوليتها الأساسية في تطوير القطاع الحكومي وتعتمد على القطاع الخاص الذي لن يستثمر وليس لديه القدرة على الاستثمار في التطوير، هذا البريستيج يستخدم مصطلحات رنانة ومقنعة عندما نقيس الإنفاقات الحكومية على القطاع الصحي مقابل الـGDP.

إحدى المجموعات الطبية في القطاع الخاص كانت تملك 4 مستشفيات قبل 3 سنوات وكان مجموع صافي أرباحها أكثر من 170 مليون ريال في تلك السنة، واحتاجت 100 مليون ريال كي تبني المستشفى الخامس في الرياض، ولم ترغب في الاستثمار من أرباحها، ونظراً لحاجة البلد لزيادة المستشفيات الطبية في القطاع الخاص، اضطرت وزارة المالية لإقراضهم 100 مليون ريال، لا يسدد أول 5 سنوات ويقسط المبلغ على 20 سنة بعدها، كقرض حسن، أي بدون فوائد في الغالب.

لم يبن المستشفى للمساهمة في تطوير القطاع الصحي فقط، بل لتوفير مركز علاج، واحتوى ذلك المستشفى على 200 سرير –وهو مقياس لأحجام المستشفيات– أي أن تكلفة السرير نصف مليون ريال، بينما تكلفة السرير في المستشفيات المكتملة من حيث التجهيزات والمعامل وغيرها بين مليون ونصف إلى مليونين للسرير الواحد.. هذا هو مفهوم الخصخصة لدى القطاع الخاص، مبنى وسرير وطبيب وممرض ودخل هائل دون قيمة مضافة للقطاع.

نجد في المستشفيات الحكومية (العادية والتخصصية) 225 ممرضا وممرضة لكل 100 طبيب، بينما في المستشفيات الخاصة 128 ممرضا وممرضة لكل 100 طبيب. وبلا شك المستشفيات الخاصة تركز على الربحية، فالطبيب يُدخل أرباحاً، والممرض زيادة مصاريف، فبالرغم من أن الكادر التمريضي في القطاع الخاص به 27 ألف ممرض وممرضة أجنبية إلا أنه أيضاً به 22 ألف وظيفة مفقودة في نفس الكادر لتقليل المصاريف على حساب جودة الخدمة والوقت.

تمت زيادة عدد الأسرة في القطاع الحكومي والخاص 14% بين عامي 2007 و2011 وهذه زيادة جيدة، ولكن عدد السكان (سعوديين وغير سعوديين) ارتفع 17% في نفس الفترة، أي أن عدد الأسرة في المستشفيات لكل 1000 شخص ينقص ولا يزيد مع أن المملكة يوجد بها فقط 2.2 سرير لكل 1000 نسمة وتستهدف الوصول إلى 4 أسرة لكل 1000 نسمة. هذا يعني أن المملكة بحاجة إلى مضاعفة الـ70 ألف سرير لو افترضنا أن عدد السكان لن يرتفع، وسيكلف القطاع الخاص 30 مليار لبناء هذه المستشفيات، وهذه فقط مستشفى وسرير وطبيب دون أي قيمة مضافة لصناعة علاج وصناعة دواء.

المملكة بحاجة إلى بناء 300 مستشفى -200 سرير في كل مستشفى- بقيمة إجمالية 30 مليار على معيار القطاع الخاص و100 مليار على معيار المراكز المتطورة، ولا توجد لدينا بنية تحتية لبناء المستشفيات بهذا الحجم، وإذا وزعت المشاريع على 8 سنوات فإن عدد السكان سيرتفع 10 ملايين إضافة إلى الـ30 مليون نسمة وهم عدد السكان الحاليين. هذا البناء وإن اكتمل فهو أشبه بالمستوصفات الكبيرة.

المملكة بحاجة إلى مدن طبية تعالج وتصنع العلاج والدواء، المملكة تحتاج إلى مراكز بحوث وتطوير وليس إلى استيراد العلاج والاعتماد على الدول الأخرى في صناعته، فيجب أن لا تتهرب الوزارات المعنية من المسؤولية برمي الكرة في ملعب القطاع الخاص لتخلي مسؤولياتها فقط لعدم القدرة على التنفيذ.

صورة الخصخصة وضعت لها قصة جميلة لا أحد يستطيع أن يخطئها، وهي مماثلة للدول المتقدمة، ولكنها في الحقيقة إخلاء مسؤولية ولن يُكتَشف النهج الخاطئ إلا بعد سنوات طويلة. المملكة بحاجة إلى أن تعتمد على نفسها في تطوير القطاع الصحي والعلاجي وليس فقط بناء المستشفيات والأسرة، ونحن نعتمد على الدول الأخرى ولسنا قادرين على تطوير اللقاح لعلاج كورونا وأنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور، وها نحن أيضاً نرسل عينات من المعامل بشكل يومي إلى دول العالم لتحليلها.

خصخصة القطاع الصحي سببها عدم القدرة على البناء، وقد تسير على نهج الصناعة التي يعمل بها أكثر من مليون شخص وما زلنا نستورد كل مستلزماتنا من الخارج، وهي غير ولادة للفرص الوظيفية المجدية. القطاع الخاص سيستهدف الربحية، والربحية فقط، ولن يستثمر في البحوث والتطوير وستبقى بلدنا تعتمد على الخارج، وهذا اتجاه معاكس للتطوير.

لنفرق بين بناء مستشفيات وبين تطوير القطاع الصحي. البناء يحتاج إلى شركات عملاقة متخصصة في البناء، وتعمل على برامج تطوير سريعة، ومتى ما أرادت الدولة البناء، تستطيع جذب تلك الشركات للبناء.