أقر مجلس الشورى الأسبوع الماضي تحويل مشروع الترتيبات التنظيمية لفرض رسوم على الأراضي البيضاء إلى نظام، وأسند تنفيذه إلى وزارة الإسكان، وألغى استثناء الأراضي أيَّا كان نوعها، وذلك بهدف تشجيع وتحفيز ملاك تلك الأراضي لبيعها وبالتالي زيادة المعروض من الأراضي الأمر الذي يؤدي إلى مواجهة الطلب المتزايد وانخفاض الأسعار، وزيادة الاستثمار في القطاع العقاري.
وقد ثار في وقت سابق لقرار مجلس الشورى جدل واسع في المجتمع السعودي حول جدوى فرض رسوم مالية على الأراضي البيضاء، حيث يرى غالبية المواطنين أن هذه الرسوم هي الحل الوحيد لتخفيض أسعار السكن والأراضي من خلال توفير وحدات سكنية أكثر في السوق، وفي المقابل يرى العديد من أصحاب شركات العقار أن فرض الرسوم له عواقب وخيمة وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويستشهدون على ذلك بعدم انخفاض الأسعار عند تطبيق أنظمة التمويل والرهن العقاري وعند إنشاء وزارة الإسكان!
كما يرى تجار العقار أيضاً أنه عند تطبيق فرض الرسوم؛ سوف يرفع الطلب على المواد الأساسية للبناء، وبالتالي ارتفاع أسعارها، وفي النهاية سوف يتحمل المواطن ارتفاع هذه التكاليف، بالإضافة إلى قيام ملاك الأراضي ببيعها ومن ثم توجيه السيولة إلى شراء المباني السكنية والتجارية مما ينتج عن ذلك زيادة الطلب ورفع الأسعار ناهيك عن تحمل ملاك الأراضي تكلفة هذه الرسوم والاحتفاظ بما لديهم من أراض، وإضافة هذه التكلفة إلى سعر البيع ليتحملها في النهاية المواطن.
وعلى هذا الأساس، يطالب بعض التجار بتصحيح القطاع العقاري أولاً قبل فرض الرسوم، وإعطاء الشركات فرصة كافية تمتد إلى 5 سنوات للتصحيح، بالإضافة إلى توفير تسهيلات استثمارية أكثر مثل العمل على تسريع إجراءات تراخيص المخططات السكنية المتبعة لدى الأمانات والبلديات، وعدم إلزام أصحاب المخططات بتوفير خدمات السفلتة والإنارة والكهرباء والمياه والاتصالات وما إلى ذلك.
قد أتفق مع تجار العقار بأن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء ليس الحل الوحيد لخفض أسعار السكن، وأتفق معهم أيضاً بحاجة السوق العقاري إلى التصحيح، وكذلك الحاجة إلى المزيد من التسهيلات الاستثمارية لهذا القطاع، ولكن في الوقت نفسه يتجاهل هؤلاء التجار أن السوق العقاري بلا رقابة بالإضافة إلى وجود خلل في تخطيط المدن لدى الأمانات والبلديات، كما يتجاهلون أيضاً عدم فرض ضرائب على الأرباح الطائلة التي تحققها شركاتهم، وفيما يتعلق بفرض الزكاة، فكما هو معلوم فإن الأراضي والمباني تعد في قائمة المركز المالي للشركات من الأصول الثابتة التي تخصم من الوعاء الزكوي في النظام الحالي للزكاة والدخل إذا كانت مسجلة باسم الشركة، وبالتالي فإن مبلغ الزكاة قليل نسبياً مقارنة مع الأرباح المحققة.
السوق العقاري للأسف الشديد لا يخضع للرقابة التجارية ولا يطبق عليه نظام حماية المنافسة، ولا أنظمة مكافحة الغش التجاري، بالرغم من وجود سجلات تجارية لشركات العقار، لذا ليس من المستبعد أن تكون هناك اتفاقيات بين التجار لتحديد أسعار الأراضي والمباني السكنية والتجارية والمبالغة فيها، وبالتالي فإن الحديث عن تحديد الأسعار من خلال العرض والطلب غير مجد دون تطبيق نظام حماية المنافسة، بالإضافة إلى بيع وحدات سكنية في بعض المخططات سيئة السباكة والكهرباء والغش في مواد البناء، فأين يلجأ المواطن المتضرر من ذلك؟
أما فيما يتعلق بتخطيط المدن لدى الأمانات والبلديات، فكما هو معلوم فإن العديد من شركات العقار تقوم بشراء الأراضي البيضاء في أي مكان تريد وبلا حدود، ثم تقوم بتطوير هذه الأراضي من خلال السفلتة والإنارة، حتى وإن كانت رديئة أو سيئة وتقوم أيضاً ببناء بعض المباني السكنية والتجارية، ومن ثم بيعها للناس، ليقوم المواطنون والمطورون بعد ذلك بالضغط على وزارة المياه والكهرباء لإيصال الخدمات إلى هذه المخططات والتي ربما تكون بعيدة عن النطاق العمراني للمدينة.
وفي المقابل نجد أراضي حكومية ومخططات سكنية تم منحها للمواطنين، ولم يتم تطويرها أو إيصال الخدمات إليها، بالرغم من وجودها داخل النطاق العمراني للمدينة الأمر الذي أدى إلى التوسع نحو الأطراف وإلى انخفاض الاستغلال الكفء للمساحات المسطحة داخل النطاق العمراني.. فهل شركات العقار والمطورون هم من يقومون بتخطيط المدن؟
أما بخصوص مطالبة تجار العقار بتصحيح القطاع العقاري وإعطائهم مهلة خمس سنوات للتصحيح قبل فرض الرسوم أو اتخاذ قرارات أخرى، فإن مثل هذه المطالبة قد تكون منطقية في ظل وجود قوانين وأنظمة رقابية وإدارية شاملة، وبالتالي يمكن دراسة أثر هذه القرارات على أرباح وخسائر الشركات، وإعطائها مهلة تصحيحية لتفادي الأضرار والخسائر المحتملة.
أما في مثل وضع السوق الحالي وما يعانيه من فراغ رقابي وخلل في التخطيط استغلها البعض في تحقيق أرباح طائلة وبطرق قد تكون غير مشروعة أدت إلى ارتفاع الأسعار وربما الاحتكار أيضاً، فإنه لا يمكن تحقيق هذا المطلب، بل على العكس من ذلك، يجب على شركات العقار الاستعداد والتكيف مع الأنظمة والقوانين المتوقع صدورها في المستقبل القريب، والعمل على أسس تجارية مهنية تخضع فعلياً لآليات السوق (العرض والطلب) في ظل نظام حماية المنافسة.
السوق العقاري بشكل عام يحتاج إلى استراتيجية وتنظيم شامل بدءاً من إصدار القوانين والأنظمة، وإلى تنسيق الجهود بين الجهات الحكومية المعنية عند تنفيذ هذه الأنظمة على أرض الواقع، كما يحتاج السوق إلى رقابة وقضاء يضمن حقوق الجميع من تجار ومستهلكين، بالإضافة إلى تفعيل تخطيط المدن والتطبيق الصارم لنظامي النطاق العمراني واستخدامات الأراضي، بحيث يتم توفير أراض سكنية مجهزة بالبنية التحتية والخدمات العامة عالية الكفاءة والاستدامة.