عقب أحداث التفجيرات الستة في باريس، خرجت ردود أفعال كثيرة التباين، انطفأ برج إيفل، فوقفت إلى جواره العشرات من عواصم العالم والملايين من البشر، بمختلف جنسياتهم، هؤلاء في جهة، وفي جهة أخرى بدا أن هناك كثيرين استنكروا هذه الهبّة العالمية، وكان لديهم الحق حين يقولون إنها بالفعل جريمة، لكن لماذا لم ينتبه العالم بالقدر نفسه لدماء السوريين والعراقيين، وتفجير الضاحية بلبنان، وغير ذلك من الدماء التي تراق في أماكن مختلفة من هذا الكوكب الساخن؟! البعض ذهب أبعد من هذا واعتبر أن الذين وضعوا الألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء مستلبون للرجل الأبيض، هناك من قال: افعلوا أكثر مما فعلتم، لن تحصلوا منه على غير ما يريده هو، وآخرون يفتحون باب التاريخ ومآسي الاستعمار وما فعله الفرنسيون في الجزائر، وما يفعلونه في بعض بلدان أفريقيا. وبالطبع هنالك الأشخاص الذين يجذبهم حسّ الشماتة والسباب، دون الحاجة لوقوع أية أحداث. إحدى السيدات من ذوات الصيت في الخليج، ممن يصولون ويجولون بعواصم أوروبا، وباريس تحديداً، من حينٍ لآخر، أعلنت شماتتها في الليلة نفسها، وسيدة أخرى أوسع منها انتشارا وصراخا، أيدتها على الفور، ناهيك عمن ينطلقون من العدوانية المطلقة تجاه الغرب، بوصفهم كفاراً، لا يجوز لهم ولا عليهم غير الجحيم، أقول إنه يمكن الاتفاق والاختلاف وتبادل الآراء مع كل من سبق، باستثناء النوعين الأخيرين، ذوي الشماتة وأولئك الذين لا يرون في الغرب سوى الكفر والابتهاج بسفك دماء أهله. شخصياً أرى أن لحظة التضامن الكبيرة والواسعة هذه كانت مع باريس، ولم تكن مع فرنسا، حتى لو كان التعبير عن طريق العلم الفرنسي. ربما لو وقعت هذه الأحداث بمدينة فرنسية أخرى لم تكن لتحظى بهذا الحجم من الأثر. إذاً فالقصة تكمن في كونها باريس، لا يتعلق الأمر هنا بالسياسة، بل بالمدينة نفسها، باعتبارها المعنى المباشر للثقافة والفنون في وجدان العالم، حيثما اتجهت، وربما كانت هذه الوقفة، بما فيها من الحداد على دماء الأبرياء، وفيهم عرب ومسلمون، رحم الله الجميع. لو كانت باريس بنفس ثقلها الثقافي والفني والتاريخي موجودةً في الوطن العربي، فسيتوقع الجميع أن يحدث الشيء نفسه. لكن يا للأسف فإن المدن والبلدان العربية ليس لها في حضارة العالم القائمة اليوم مثل هذا الأثر، ولا النزر اليسير منه، حتى لم يعد لتعبها، ودماء بنيها من ناعٍ ولا سامع، ولا رايات أو ألوان. وا أسفاه!. أخيراً، وبما أن الحديث عن باريس، فقد قال فولتير يوماً: "لن أسمح للجهل أن ينال من العلم مرتين".