د. مرزوق الرويس
ارتباط مجال الاقتصاد والثقافة والمجتمع ببعضها بعضا ارتباط وثيق، وفقدان أحدها يشكل فقدانا لأحد أساسيات الحياة. فمتانة ارتباط هذه المجالات يشكل قوة في التنمية والتقدم، وبهذا فإن أي تغيير في أي مجال يُحدث تغييرا في المجالات الأخرى. والعلاقة طردية لهذه التغييرات، فالتغيير الإيجابي يحدث تأثيرا إيجابيا والعكس.
تصارع التكوين في مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتطلب تشكل بيئة سياسية من أجل إدارتها، توجه الإدارة السياسية عمل الحكومات لإحداث توازن ما بين هذه المجالات سعيا إلى تحقيق التنمية في المجالات الحياتية، وهذا بدوره أنتج اختلافا في تصنيف الأنظمة السياسية، فمنها الشيوعي والرأسمالي والإسلامي وغيرها.
فالنظام الشيوعي هو الذي تمتلك الحكومة فيه أدوات الإنتاج ويعيش الأشخاص تحت هذا النظام لمستقبلهم ويحرمون أنفسهم من الحاضر، والنظام الرأسمالي هو من تمتلك المنظمات الخاصة أدوات الإنتاج ويعيش الأشخاص لحاضرهم من دون التفكير في مستقبلهم، ففي الرأسمالية استغلال وتوهان، وفي الشيوعية اتكال وحرمان، والنظام الإسلامي هو من يسعى إلى موازنة هذه العملية لمنع الاستغلال والاتكال، وبهذا نجد أن موازنة التكوين الاجتماعي مع نمط الاقتصاد من خلال الأسلوب الثقافي هي حنكة في السياسة.
في ظل الظروف المحيطة بالمملكة من توتر سياسي إقليمي وضعف في الاقتصاد العالمي وهبوط في أسعار النفط ومطالبات في التنمية والتطوير الداخلي، إضافة إلى عجز الميزانية الحالي، فإن تخفيض الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي هما الحل الأمثل لإدارة مثل هذه الأزمات للمحافظة على عملية التوازن بين مجالات الحياة. فالأوضاع الخارجية غير مستقرة وهي تعيق الاستناد عليها في رسم توجه التنمية أو استخدام الاحتياط لتأمين العجز واستغلال المتاح في عملية التنمية. فالتوتر السياسي المحيط بالمملكة قد يتفاقم ليؤثر على أمنها، مما يحتم على المملكة المحافظة على القوة العسكرية ودعمها لتأمين أمن وأمان مواطنيها. وعلى الجانب الآخر، فإن المطالبات الاجتماعية بمواكبة التطورات العالمية حق للمواطن والمجتمع السعودي، ومن أجل الوصول إلى نقطة توازن الأمن مع التنمية في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية فإن تخفيض الدعم وترشيد الإنفاق هما خطوتان ذواتا بعد إستراتيجي.
من أجل التنمية اقتصاديا، جميع الأشخاص في المجتمع لا بد من أن يسعوا إلى أن يكونوا منتجين، وذلك من خلال تشكيل أدوات إنتاج يستطيع من خلالها المواطن دعم الاقتصاد. الاقتصاد السعودي يعاني من بطء في ميكانيكية خلق الوظائف التي أثرت على البطالة، وهذا التباطؤ يعود إلى محدودية أدوات الإنتاج، فالجهود المبذولة في الفترة الماضية لخلق الوظائف لم تكن فعالة، بما فيها الاستعانة بمشاريع ريادة الأعمال ودعم المنشآت الصغيرة، لخلق الوظائف وتنويع الاقتصاد، وهذا يعود إلى تمركز الأعمال في قطاعات معينة قد تشبع منها السوق السعودي.
كما أن ترشيد الإنفاق الحكومي ليركز على تأسيس البنية التحتية للاحتياجات الأساسية الحضارية للمجتمع، سيتطلب أنشطة وكفاءات ومهارات من مجالات مختلفة، وبذلك فإن هذه العملية ستؤدي إلى خلق وظائف في مجالات مختلفة وإنشاء منشآت مختلفة القطاعات، ما سيدفع بتنوع الأعمال الذي بدوره سينعش الاقتصاد من خلال التدوير الصحي للمحافظة على جريان السيولة داخليا، والتي ستنتج تنوعا في مصادر الدخل لدعم الإنتاجية ومنع الركود الاقتصادي السعودي.
هذا يحتاج إلى بعض التدخلات الإدارية لتنفيذه من أجل تحقيق الهدف المرسوم للتنمية، لذا تحتاج المنظمات الحكومية إلى رفع نظام المحاسبة وتحديث أنظمة ولوائح العقوبات لتتماشى مع التنفيذ، هذا حتى تحافظ الحكومة على موازنة تطوير الاقتصاد ومنع حدوث تضخم داخلي بسبب الاستغلال. كما أنه يحتاج تسهيل إجراءات المنشآت الصغيرة، من خلال تحرير البعض من قيودها البيروقراطية، ما قد يتطلب تعديلا هيكليا لتوضيح المسؤولية التي ستسهم في تقليل الاتكالية، سواء المنظوماتية أو الفردية. كما أنه يحتاج إلى رفع فاعلية الأداء بإنشاء مؤشرات أداء دقيقة مرتبة بالفترة الزمنية لتسريع ومزامنة التنمية لرفع الكفاءة.
على المدى البعيد، سينتقل الاقتصاد السعودي من كونه ريعيا إلى متنوع، وهذه النقلة هي ما يتحدث عنه معظم الاقتصاديين كحل لتقدم المملكة ومواصلة التنمية، فخطوة تخفيض الدعم وترشيد الإنفاق أسلوب إداري فعال لإدارة الأزمات بالموازنة ما بين الاقتصاد والمجتمع والثقافة، من خلال التوفيق بين استمرار التنمية وحماية البلد من المتغيرات الخارجية والداخلية وزيادة تثقيف الأفراد. وعندما نطالب بالتنمية فلا بد من أن ندعم تحقيقها.