لماذا تكتبون عن المرأة؟ المرأة أولى بالحديث عن نفسها منكم؟ تتأمل هذه الأسئلة الفجة التي تعامل المرأة كنوع وليس كإنسان، ثم تتأمل الفجاجة الأكبر عندما يعقد أصحاب هذه الأسئلة ندوات ومحاضرات وورش عمل عن قضايا المرأة دون أن تشارك فيها امرأة واحدة، المرأة في نظرهم متلقية ومستقبلة لمواعظهم، فإن أرادت الفاعلية الاجتماعية فليس لها إلا أن تكون مجرد صورة طبق الأصل عن خيالهم الأسود تجاهها، فتراها محملة بأوهامهم السوداء من رأسها إلى أخمص قدميها، لتحكي بلسانها عنهم وليس عنها، لتترافع عنهم وليس عنها، لتدافع عن ظنونهم السيئة فيها لا عن قدرتها في تكذيب هذه الظنون، تعيش معهم بقلبها تتقرب بهم إلى الله، إذ حرموها حقيقة التوحيد في العيش بقلبها مع الله دون زلفى أو واسطة منهم، قالوا لها: نحن أولياء الله من دون الناس، والقرآن يقول: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى).
تتحرر المرأة من أوهامهم وظنونهم السوداء، لتبدأ أول الطريق وقد ظنت أنها وصلت آخره بالخلاص منهم، وأول الطريق تحرير ذاتها من أوهام المجتمع الطهوري، وإعادة تأهيل نفسها كيلا ترى الرجل كما لقنوها فإما زوج هي خير متاعه، وإما ذئب هي من فرائسه، الحياة ليست بهذه الثنائية، الحياة ستخبرها بأنها هي وحدها من يقرر حياتها بكل ألوان قوس قزح، وأن الرجل ليس سوادا أصم أو بياضا أعمى.
يخافون عليك أيتها المرأة وهم في الحقيقة يخافون منك، يزعمون الحرص عليك وفي دواخلهم أنت قرينة الشيطان، فلا تصدقي كل هذا، صدقي نفسك وطوري ثقافتك أكثر وأكثر، فبالعلم والمعرفة تستطيعين هزيمة الخوف بداخلك، وكسر الأصنام التي زرعوها بداخلك عن الرجال، ستكسرين صنم الرجل القدوة، لأنك ستكونين قدوة أفضل منه، فكثير منهم أهمل أولاده بحثاً عن زوجة أخرى وأنت من يقوم بهم. ستكسرين صنم الرجل الكريم لأنك ستكونين أنت من تقيلين عثرة الرجال من حولك إن احتاجوا أو ضاقت بهم السبل. ستكسرين صنم الرجل القائد لأنك ستصلين إلى مناصب عجز كثير من الرجال حولك أن يصلوا إليها. ستكسرين وهم الرجل النادر لأنك بنجاحاتك ستكونين الاستثناء الدائم أيتها الماجدة، فلا يبقى للرجل سوى الاعتراف بشراكة الحياة بينكما، ولتبقى المنافسة بينكما على مكارم الأخلاق، نداً لند، كتفاً بكتف، ولمرضى القلوب مضغ الوساوس.
لا تلتفتن لصراخ الجبناء العاجزين عن اللحاق بهمتكن في إعادة الحياة لنا، نراكم طبيبات تعالجن أبناءنا فنفرح، نراكم محاميات، نراكم مهندسات، نراكم حيثما تقررن لا ما يقرر لكم غيركم، والبداية من هناك إذ نراكم معلمات تحفزن بناتنا لمواصلة العلم في أرقى جامعات العالم، فيحققن نتائج ترفع الهامة على مستوى وطن لا مستوى عائلة، فالمعلمة الخائفة من الحياة، تصنع خائفات، المعلمة المقبلة على المعرفة والثقافة تصنع جيلاً من الماجدات، ولا عزاء لكتاتيب (ناقصات عقل ودين).
الماجدات في وطني هن فخرنا في الزمن القادم، الماجدات في وطني مشوارهن طويل بين أشواك الحنظل التي زرعها حمالو الحطب في سنيننا العجاف، لنرى حمالي الحطب يصرخون فيكن يحاولون قمعكن، يخيفونكن، يتلمظون غيظاً وحقداً لمرأى كل امرأة حققت إنجازاً، وتجاوزت قنطرة شوكهم وأشجار حنظلهم.
أيتها المرأة الماجدة، لا يهدهدوا رأسك بطمأنينة (بيتك وقبرك)، فتلك جناية جديدة للوأد القديم، بل هدهدي رؤوسهم بقضاياك ترفعينها عليهم، لكل ما كفله الوطن لمواطنيه من حقوق عبر النظام، الذي خبأه هؤلاء عنك لتنتظري الحلول منهم وإليهم وبهم.
المرأة القوية يخافها كل الرجال، لأنها أقوى من كل الرجال، ولهذا كانت بلقيس وكانت زنوبيا وكانت تاتشر، وكانت نورة لمن قال: (أنا أخو نوره)، وما لا يدركه الرجال بالسيف تدركه النساء بلا قتال، فالمرأة حضارة، المرأة حياة.
بالمرأة قام النوع الإنساني، وبها قام أول نمط حضاري، إذ عاش الرجل صياداً يعدو، يأكل الطرائد حيناً وحيناً تفترسه الطرائد، والأنثى تحاول إنقاذه من تيه الركض، فكانت سكناً إذ اكتشفت الزراعة، ليكون لها عوناً، ولتعلمه معنى الحب، ذلك الحب الذي لم يعرفه الرجل إلا متأخراً، ولهذا المرأة لا تمنح جسدها إلا لمن يعطيها قلبه، وما زال الرجل يمكر ويخون، والمرأة مع الزمن تعلمت منه المكر والخيانة، فكيف أصبح البريء متهماً والمتهم بريئا، لتكون هي الفتنة!
هل تهمتها أيها الرجل أنها تملك نفسها وأنت تحاول إغواءها، وتعجز عن امتلاك نفسك عندما تراها؟ أم تهمتها أبعد من ذلك إذ حاولت أن تجد لك معنى الخلود، فكانت ملهمة الشعراء، وأيقونة الجمال، إنها صاحبة الجلالة يدعي حراستها من يسرقها ممن يحبها، فكيف تعرف المرأة السارق من الصادق؟ السارق يسلب منك كل مباهج الحياة، والصادق يعطيك مباهج حياته إلى حياتك، السارق يأخذ منك كل ما تملكين حتى مواهبك، الصادق يساعدك حتى في اكتشاف مواهبك، كل النساء اللائي صنعن فرقاً كان بجوارهن رجال صادقون، وكل العاجزات مكتوب عليهن أن يعشن بين مجموعة من لصوص الحياة الصغار، تعلموا اللصوصية من دهاقنة يؤمنون ببيع النساء كالجواري في سوق النخاسة، فلما انتهى الرق والاستعباد استعادوه بترويع لا يحد، ووعيد لا ينفد، تراه في أعينهم المتنمرة، وحناجرهم المتشنجة، يزرعونه في قلب كل امرأة حولهم، تقول لهم: (لا).