كثيرون قالوا وكتبوا خلال الأيام الماضية عن عودة الإسلاموفوبيا إلى المجتمعات الأوروبية والغربية عموماً (وكأنها اختفت أو نقصت يوماً)، وتكاثرت التحليلات التي تفسر ارتباط هذه الظاهرة بالأحداث الإرهابية المدوية التي شهدتها باريس الأسبوع الماضي.
وإن كان في وسائل الإعلام الرصينة أو في الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي فقد دار معظم الخطاب العربي الإسلامي بعد التفجيرات حول فكرتين مركزيتين:
-أنهم يكرهوننا بسبب فعل لسنا مسؤولين عنه، والقلّة المتطرفة التي قامت به لا تمثلنا جميعاً، ولا يجوز أخذ الكل بجريرة البعض، وهؤلاء لا يمثلون الإسلام الصحيح.
-نحن ضحايا ومظلومون، وهم يعاملوننا بكراهية واحتقار.
وكما في كل مرة يقع فيها حدث من هذا النوع تتصاعد هذه النبرة، وتتنوع مداخلها وتعبيراتها، وهذه المرة بالطبع كانت النبرة أعلى وأشد، لأن الحدث الآن يصنف على أنه شكل جديد من أشكال 11 سبتمبر. وقد ذهبت وسائل الإعلام لجرد الأحداث التي تعبر عن كراهية الأوروبيين للمسلمين، وعادت بها سنوات طويلة إلى الوراء، وقدمتها كأدلة دامغة على العداء الغربي للمسلمين.
كعربية مقيمة في الغرب أريد أن أناقش الأمر من زاوية أخرى، نابعة من معايشتي للمجتمع الفرنسي، واحتكاكي بالمواطنين الفرنسيين، وانخراطي اليومي في مختلف تفاصيل الحياة، فأنا أدخل إلى المتجر كل يوم وأستخدم وسائل النقل العامة كل يوم، وأتعامل مع مواطنين أوروبيين في كل ساعة من ساعات يومي، قبل أحداث باريس وبعدها، وحتى في الساعات التي تلتها مباشرة.
وأستطيع أن أقول إننا نقترب من الإصابة بفوبيا الإسلاموفوبيا، وإننا نبالغ كثيرا في الحديث عن الإسلاموفوبيا، وإننا نفعل ما ننتقده تماماً، فالأحداث الفردية المتناثرة لا تعبر عن الرأي العام الأوروبي، ولا تمثل الأوروبيين بطبيعة الحال، فمحاولة افتعال حريق في مخيم للاجئين في فرنسا أو السويد (بالمناسبة لم يتأذّ منه أحد وتمت السيطرة عليه مباشرة)، أو التصرف بفظاظة مع امرأة محجبة من قبل حارس لمتجر ألبسة في باريس، والنظر بريبة لشخص ملتح في الميترو، كلها أحداث تقع ولا يستطيع أحد إنكارها، لكن ما يتوجب علينا هو وضع هذه التصرفات في سياقها الصحيح، وقراءتها بطريقة هادئة بعيدة عن التعصب والتزمت وشعور الضحية.
ولنسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً: قام مواطنون فرنسيون خلال الأسبوع الماضي بأفعال تنمّ عن كراهية للمسلمين، وأصابت بضررها أبرياء لا علاقة لهم بالأحداث الإرهابية (وهي أضرار محدودة لم تتعد الإزعاج في معظم الأحيان)، ولكن ما نسبة من يرتكبون هذه الأفعال إلى المواطنين الفرنسيين؟ بالطريقة نفسها قام مواطنون فرنسيون (مسلمون) الأسبوع الماضي بأفعال تنمّ عن كراهية للبشر وللإنسانية، وأصابت بضررها مئات الأبرياء لا علاقة لهم بأي شيء (وتراوحت أضرارهم بين الموت والإصابة البالغة)، وما نسبة هؤلاء إلى المواطنين الفرنسيين من أصول إسلامية؟
لا أملك إحصائية دقيقة لكلا السؤالين، ولكني أكاد أجزم بأنها النسبة نفسها، وأن لكل مجتمع نسبة متطرفيه ونسبة مجرميه، ولا يجوز لأحد أن يحمّل مجتمعاً كاملاً أو فئة اجتماعية كاملة جريرة ما فعل جزء صغير منهم.
بعد أحداث باريس صدرت ردود أفعال كثيرة، توقفت عند اثنين منها، الأول هو التصريح الذي أطلقه جان كلود رئيس المفوضية الأوروبية الذي دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم الانقياد لردود الفعل الذميمة الداعية إلى رفض دخول اللاجئين، وقال "إن مطلقي النار في باريس مجرمون وليسوا طالبي لجوء"، والثاني موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي دافعت عن موقفها الثابت تجاه قضية اللاجئين، فقالت بعد أحداث باريس: "نعلم أن حياتنا الحرة أقوى من الإرهاب، دعونا نرد على الإرهابيين بأن نعيش قيمنا بشجاعة".
كيف نجا هذان الشخصان من الإسلاموفوبيا؟ لقد نجيا مع مئات الملايين الآخرين، إنهما مجرد تعبير سياسي عن رأي وحال الغالبية العظمى من الأوروبيين، المواطنين الذين نلتقيهم على درج البناء واستمروا يلقون علي تحية الصباح كما كل يوم.
لا أحد يربح من صنع المظلوميات الواهمة، ومن لعب دور الضحية دون أسباب حقيقية، وهي طريقة لن تفيد سوى في استمرار حلقة الكراهية المفرغة، وإعادة ضخ الحقد والحقد المتبادل.