يعتقد كثيرون أن عملية التعلم لا تتم إلا من خلال التعليم النظامي في مؤسسات التعليم المختلفة، وهذا تجاهل لجوانب عديدة تسهم وبدرجة عالية من الكفاءة في عمليتي التعليم والتعلم؛ فالمتتبع للثورة التقنية وتطبيقاتها المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي يجد أن هناك وسائل تعليم وتعلم فرضت نفسها على أفراد المجتمع، وأدت هذه التطورات إلى حدوث عملية تعلم تعرف بالتعلم الذاتي، ويرى البعض أن هذا النوع من التعلم من أنماط التعلم الحديثة، وفي الواقع أنه قديم جدا، ولكنه لم يظهر بهذا المسمى إلا في أواخر القرن الماضي.
وتتنوع آليات وأساليب ومجالات التعلم الذاتي، ومن الأمثلة على ذلك توجه كثير من أفراد المجتمع بمختلف أعمارهم إلى الإنترنت لمساعدتهم للحصول على بعض المعلومات التي قد يحتاجونها، وما يتم تعلمه من خلال البحث في الشبكة العنكبوتية يعد من أنواع التعلم "التعلم الذاتي"، وحقيقة الأمر أن التعلم الذاتي لا يقتصر على فئة عمرية محددة، بل قد يستفيد منه طالب التعليم العام لمساعدته في إنهاء التكليفات التي قد يحددها لها معلموه في المدرسة، أو يستفيد منه ولي الأمر في الحصول على بعض المعلومات التي من خلالها يتعرف على بعض المعارف، والخبرات التي قد يحتاجها لتوجيه ابنه حيال بعض القضايا التربوية، وقد يستفيد منها المعلم سواء في التخطيط لدروسه، أو في الاطلاع على ما يجد في مجاله التخصصي، والمهني، والثقافي، كما قد يستفيد الباحث أو الأكاديمي في أي مجال من هذا النوع من التعلم في التعرف على مستجدات المجال الذي يبحث ويعمل على تقصيه، والفرد العادي قد يمر بعلية التعلم الذاتي وهو لا يدرك أنه يمر بعملية تعلم، وذلك من خلال حصوله على بعض المعلومات والمعارف والخبرات المختلفة من تطبيقات التقنية المتوافرة في عصرنا الحاضر.
ولا تقتصر عملية التعلم الذاتي على الاعتماد على التطبيقات التقنية، ولكن هناك طرائق وأساليب عديدة يمكن من خلالها حدوث هذا النوع من التعلم؛ فعندما يختار الفرد كتابا معينا، أو مقالا منشورا في مجلة علمية، أو تربوية، أو ثقافية، أو فنية ويطلع عليه في أوقات فراغه فإن ذلك يؤدي إلى تعلم ذاتي، وقد يحدث التعلم الذاتي من خلال متابعة الفرد لبعض البرامج الإذاعية، أو التلفازية، ويستفيد منها بدرجة تتوافق مع تطلعاته، وأهدافه، ويسهم الحضور في المؤتمرات، والندوات، واللقاءات في حدوث التعلم الذاتي من خلال فعالياتها المختلفة، والمشاركة في أنشطتها المتنوعة. أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد تساعد على حدوث عملية التعلم الذاتي من خلال ما تبثه، وتنشره عبر منافذها المختلفة.
وهنا أرى أن التعلم الذاتي قد يحدث باختيار الفرد، أو قد يفرض عليه، ونتيجة لذلك فمن الضروري أن تكون هناك متابعة مستمرة وتوجيه مكثف من الأسرة، ومن مثقفي المجتمع، ومن المعلمين لمستخدمي الشبكة العنكبوتية من فئة الشباب وصغار السن الذين يسرفون في متابعة ما ينشر في بعض المواقع الإلكترونية المختلفة، وهم لا يدركون أن ما تقدمه بعض هذه المواقع من محتوى مقروء، أو مسموع، أو مرئي قد يكون غير صحيح، أو موجها لتحقيق أهداف غير مرغوب فيها من قبل بعض الأفراد، أو المجموعات، أو المؤسسات، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث تعلم خاطئ، ومفاهيم مغلوطة، كما قد يقود ذلك النوع من التعلم الذاتي غير المرغوب فيه إلى اعتناق بعض الأفكار المنحرفة، والسلوكيات السلبية التي لا تتوافق مع أهداف المجتمع، ومتطلباته، وما تشهده هذه الأيام كثير المجتمعات من عنف، وإرهاب ما هو إلا نتيجة للتعلم الذاتي من النوع غير المرغوب فيه.
والتعلم الذاتي المرغوب الذي يؤدي إلى تطوير معارف ومهارات وقدرات الفرد يجب الاهتمام به وتشجيع أفراد المجتمع على الاستفادة منه، لأنه يتم في ظروف تناسب ظروف المتعلم، المكانية والزمنية، وغير مكلف بدرجة كبيرة، ويساعد على التعلم المستمر، والتطوير، أما النوع غير المرغوب من التعلم الذاتي فقد يحدث كنتيجة للاندفاع وراء بعض المواقع المشبوهة التي لديها أهداف غير سوية لما تعرضه من محتوى يؤدي إلى تعلم سلبي، وعلى المتابع لهذه المواقع ألا يثق بما تقدمه، وأن يبتعد عنها، ولا يندفع وراءها، لأنه في مثل هذه الحالات يتم دس السم في العسل، ولن يجني من وراءها فائدة كما يتوقع.