أكدت الرياض جديتها في محاربة الإرهاب، وحماية أمنها القومي، ومواجهة إيران إذا دعت الضرورة، دون أن تنتظر الحصول على إذن من أحد، كانت تلك هي الرسالة الأقوى التي بعثت بها المملكة لواشنطن وطهران في مطلع العام الجديد.
لكن ما استقر عليه البيت الأبيض هو أن الصدام بين المملكة وإيران يهدد بتقويض التقدم المحرز في الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية في سورية، فضلا عن أنه يضعف من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة مع قوات التحالف الدولي ضد داعش، واهتزاز أسواق النفط، ونشاط البورصات المالية، حسب المحللة السياسية نهال طوسي، بموقع "بوليتيكو" أول من أمس.
خارج السيطرة
نشوب الصراع بين المملكة وإيران هو انتكاسة للدبلوماسية والسياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما، في الوقت الذي يبذل فيه مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، محاولات لإنهاء الصراع السوري، بالتوجه إلى الشرق الأوسط لإقناع الإيرانيين والسعوديين بمواصلة المفاوضات، وليس عرقلة الجهود السلمية لحل الأزمة المحتدمة منذ خمس سنوات، التي أسفرت - فضلا عن مئات الآلاف من القتلى السوريين وملايين المشردين والمهجرين واللاجئين - عن صعود داعش، واستيلاءه على أراضي في سورية والعراق، كما ألهمت الإرهابيين بالهجمات في باريس وكاليفورنيا.
وحسب أحد أكبر مساعدي الرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط فيليب جوردون، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها، لا سيما المملكة، تمكنوا من إحراز تقدم على الإرهاب، كما تقاتل القوات السعودية المتمردين المدعومين من إيران في اليمن، وقال "استمرار تصاعد التوترات بين المملكة وإيران يمكن أن يخرج عن "نطاق السيطرة"، فما نشهده هو تحول مفاجئ في مجري الأحداث في المنطقة الملتهبة أصلا منذ سنوات بالنزاعات الطائفية والقومية". كما ألمح المتحدث باسم الخارجية الأميركية إلى أن بلاده لا تخطط لإدراج نفسها كوسيط بين المملكة وإيران، وتكتفي فقط بالتهدئة عبر الهاتف.
عجز أميركي
الشكوك حول استمرار عملية السلام بشأن سورية، التي بدأت أواخر العام الماضي، تنتاب الجميع حاليا، لا سيما الأمم المتحدة التي سعت لجمع الأطراف المتنازعة لإجراء محادثات في 25 يناير الجاري، إذ إنه من دون جلوس الدولتين على طاولة واحدة في الغرفة نفسها، فلا أمل من انعقادها، وما يميز المملكة عن كونها أكبر قوة إقليمية عربية وإسلامية، فإن لديها نفوذا إقليميا كبيرا في أسواق النفط في العالم، وليس الشرق الأوسط فقط.
وفي هذا السياق، يقول جوردون إن تنامي النفوذ الإيراني في دول مثل لبنان، واليمن، وسورية، والعراق يجد معارضة سعودية، خاصة أن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لكبح جماح طهران، بينما تهتم في المقام الأول بمتابعة الاتفاق النووي، وهو ما فتح شهية إيران على المزيد من الاستفزازات، وزاد من مخاوف السعوديين، ما أفشل كل محاولات واشنطن للتقارب بين الرياض وطهران.
خطاب التهدئة
شدد جوردون على أنه من المستحيل إحراز أي تقدم في الحرب على الإرهاب من دون المملكة، وفي ظل وجود الأسد والتنظيمات الإرهابية، مدللا على ذلك بزيارته الأخيرة للمملكة، وقال "إذا كانت الولايات المتحدة لديها مخاوف من انفجار الأوضاع في المنطقة فإنها لا تملك في العام الأخير من رئاسة أوباما ممارسة الضغوط على طهران، ولا يمكن أن تطلب من المملكة الوقوف مكتوفة الأيدي أمام استفزازات إيران وعدم حماية أمنها القومي، مضيفا "لسوء الحظ لقد وقع ما كنا نتخوف منه ولا نملك إلا خطاب التهدئة".