دعوني أعد بكم إلى مرحلة ما قبل الجوال، وقبل عام 1416 ومن زاوية اجتماعية ضيقة بمنطقة نجد تحديدا. رغم وجود الهاتف الثابت إلا أن كثيرا من الناس لم يكن يعترف بأهمية الاتصال لأخذ موعد للزيارة -لا أعرف ما هو السبب- وقتها كان الخميس والجمعة هما موعد المفاجآت. البيت "مقلوب فوق تحت" وإذا بجرس الباب يدق، وكالعادة يتسابق الأطفال بكل فضول لمعرفة من الطارق! ويخرج الأطفال "بخلاقينهم" ويتفاجؤون بأن أسرة أحد الأقارب أو الأصدقاء داهموهم وهم بكامل أناقتهم، ثم يُدق جرس الإنذار وتُعلن حالة الطوارئ في البيت. عادةً الأب يلبس ثوبه ويستقبل الضيف في المجلس، أما الأم المسكينة فهي تتحمل المسؤولية الكبيرة، وبالفطرة وبحكم التجربة تبدأ بالأولويات في تنظيف الصالة، إرسال البنات إلى غرفهن ليتجهزن ويغيرن ملابسهن، ثم تتذكر أنها هي أيضا لم تتجهز، ولكن الأب طلب تحضير القهوة والشاي لضيفه فتقع في مأزق، وكل هذا والضيوف بالصالة وحدهم والرجال ينتظرون القهوة والشاهي. هذا المشهد كان يتكرر دائما، ولكن ما هو أدهى وأمر عندما تكون العائلة جاهزة للخروج إلى زيارة أحد ويتفاجؤون بهجوم مباغت من ضيوف "طبوا" عليهم في البيت!
ومن المضحك أن بعضهم كان يأتي من أماكن بعيدة، وعند وصولهم يكتشفون أن الهدف غير موجود، فيضطرون إلى تغيير الخطة لزيارة هدف آخر بنفس المنطقة حتى لا يضيع هذا المشوار هدراً، ولكنهم يكتبون في ورقة -وغالبا ورقة كيس أسمنت- لأننا لم نكن نعاني من مشكلة "فكر"، فكان الجميع يبنون بيوتا، ولهذا تكثر أكياس الأسمنت في الشوارع، فيكتبون عليها "حضرنا ولم نجدكم" مع الاسم والتوقيع ويضعونها على باب المنزل.