قبل ساعات من مجزرة باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر الحالي، وقع تفجير انتحاري مزدوج في منطقة تسوُّق الطبقة العاملة في بيروت. تبنى تنظيم "داعش" المسؤولية عن الانفجار الذي أدى إلى مقتل 43 شخصاً ومئات الإصابات في أسوأ هجوم يضرب المدينة منذ ربع قرن. ثم جاءت هجمات داعش في فرنسا، والتي اجتذبت معظم الاهتمام الذي كان قد وُجه نحو لبنان.

لقد أصبح نمطًا يمكن التنبؤ به: عمل من أعمال العنف في العالم يلقي بظلاله على فعل عنيف متزامن مماثل، بما يثير ردة فعل ضد هذا الخلل في التدقيق، والتعاطف، والحزن. ولكن التنبؤ لا يجعل من هذا النمط أقل إيلاماً. في كل مرة يقع فيها هجوم إرهابي كبير في أميركا أو أوروبا، من نيويورك، إلى مدريد، إلى لندن، إلى باريس، فباريس مرة أخرى، فإنه يجذب اهتمام وقلق الأميركيين والأوروبيين بشكل مختلف عن الفظائع المماثلة التي تقع في أماكن أخرى. نادراً ما تتداعى الأحداث بدقة، فتتيح إجراء مقارنة واضحة، مثل تفجير بيروت ومجزرة باريس.

يطالب كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بمعرفة لماذا تم التغاضي عن هجمات بيروت؟ فقد عبَّر اللبنانيون عن أسفهم لهذا التناقض؟ ويتساءل كثير منهم لماذا لم يسمح "فيسبوك" للناس في لبنان للتأكيد على "سلامتهم"على الشبكة الاجتماعية، كما فعلت الشركة مع حادث باريس؟

كيف يمكن تفسير هذه الفجوة الواضحة في التعاطف؟ أحد التفسيرات المحتملة بسيط، وهو أن أعداد الوفيات في باريس أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه في بيروت. وربما تكون هناك مجموعة أخرى متشابكة من الأسباب، أهمها الألفة. فالأميركيون من المرجَّح أن يكونوا قد سافروا إلى باريس أكثر من سفرهم إلى بيروت أو القاهرة، أو نيروبي، أو أي عدد من المدن التي شهدت هجمات دامية.

عندما يسمع العديد من الأميركيين اسم "باريس" يفكرون في برج "إيفل". وعندما يسمعون اسم "بيروت" يربطونه مباشرة بالحرب. ومع ذلك فإن هذا الانطباع عفا عليه الزمن... في الواقع، كانت بيروت تعرف باسم "باريس الشرق الأوسط". وعلى الرغم من أن هذا الاسم لم يعُد شائع الاستعمال، إلا أنه لا يزال هناك تشابه بين المدينتين. فالمراكز والأحياء المزدهرة توفر مرافق للطعام والتسوق براقة. تمتلئ ضواحي باريس بشكل كبير من قبل المهاجرين المسلمين. وفي بيروت، هناك أحياء مثل برج البراجنة، والضاحية، حي الطبقة العاملة حيث يتكون السكان من كثير من المسلمين الشيعة اللبنانيين، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين ومعظم الوافدين الجدد واللاجئين السوريين.

مهما كانت دوافع فجوة التعاطف، فالفجوة نفسها لها عواقب حقيقية. فبعد الهجمات، أصدر السياسيون الأميركيون تصريحات قليلة حول ما حدث في بيروت، ولم يشر أحد إلى أن التفجيرات الانتحارية في بيروت لا تقل هجوماً على الحضارة الإنسانية عن تلك التي وقعت في باريس، فمن الأسهل بكثير تقسيم العالم في صدام الحضارات، حيث القتلى الأبرياء، على جانب ما، أحق بالحداد من القتلى الأبرياء في الجانب الآخر.