ماذا لو عدنا بالزمن إلى الوراء إلى ما قبل اليوم الرابع من فبراير من عام 2004، أي ما قبل تأسيس "facebook"، عندما كان الفضاء الإلكتروني شاغرا من مواقع التواصل الاجتماعي العالمية، ومقتصرا على المنتديات الإلكترونية المتخصصة والعامة والمناطقية، ماذا لو تم إنشاء موقع تواصل اجتماعي عربي وتحول إلى موقع تواصل اجتماعي عالمي كما هو موقع facebook الآن، والذي أصبح الموقع الأكثر تأثيراً على مستوى العالم بعدد مشتركين سيتجاوز المليار و400 مليون قبل نهاية هذا العام؟ من أكثر العمليات التي تثبت مدى تأثير "فيسبوك" في الرأي العالمي موجة التعاطف التي أثارتها مع فرنسا إثر تعرضها للعمليات الإرهابية في عاصمتها باريس، وذلك بعرضها اقتراحا على جميع المشتركين بتظليل صورهم الشخصية بعلم فرنسا تعاطفاً مع أحداث ضحايا تفجيرات باريس، ورغم أن ضحايا الإرهاب في دول أخرى أكبر بكثير من ضحاياه في فرنسا إلا أن إدارة "فيسبوك" تجاهلت كل هؤلاء الضحايا واقترحت التعاطف مع فرنسا فقط. ماذا لو كان موقع "فيسبوك" عربيا أو إسلاميا هل كان سيتجاهل ضحايا إرهاب الاحتلال الصهيوني ضد أطفال فلسطين؟ أم أنه سيقترح على المشتركين رفع شعارات فلسطين الحرة أيضا؟ هل كان سيركز تأثيره على أحداث فرنسا فقط ويتجاهل العنصرية المقيتة ضد المسلمين في الإعلام الغربي والشرق آسيوي؟
كان سيكون محبباً لنا ومنصفا لو اقترح لنا "فيسبوك" رفع علم فلسطين عندما تعرضت للحرب الصهيونية من المحتل تزامنا مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومع ضحايا ثورة سورية وضحايا الإرهاب في كل دول العالم، ومن ثم حين وصل الدور على فرنسا اقترحت أيضا رفع شعار التعاطف معها، ولكن أن تجعلنا أمام خيار واحد متجاهلة شعارات نحن في حاجة لها مثل شعار "الإسلام ضد الإرهاب"، و"الإرهاب لا دين له"، وشعار "يكفي تشويها لصورة المسلمين" وربط الإرهاب الإسلام.
أن تجعلنا إدارة فيسبوك أمام خيار واحد يناسبها فإننا إذًا أمام عاطفة مستوردة، رفضتها ورفضها غيري، وللأسف قبلها كثير من مشتركي "فيسبوك" وظللوا صورهم الشخصية بعلم فرنسا في الوقت الذي تجاهل فيه "فيسبوك" التعاطف مع دول إسلامية عانت كثيرا من الإرهاب وأولها المملكة العربية السعودية.
نحن في الوطن العربي والإسلامي تجاوزنا مرحلة استيراد الصناعات والأغذية والأدوية إلى مرحلة استيراد العواطف، أصبحنا خارج اللعبة تماماً في هذا العالم، أصبح هناك من يملي علينا عواطفنا، ويقترح علينا أن نتعاطف مع من يتعاطف هو معه، أما تعاطفنا مع مهاجري سورية الذين غرقوا هربا من جحيم الإرهاب وقمع الحاكم فإنه لا يعنيهم، وتعاطفنا مع أطفال فلسطين الذين يقتلهم كل يوم إرهاب الاحتلال الصهيوني لا يعنيهم أيضا ولا يثير عواطفهم، ولذلك لن يقترح علينا رفع أي شعارات تناسبنا، بل علينا الانتظار حتى نرى مع من يتعاطف هذا الموقع، وأي عاطفة يصدرها ومن ثم نستوردها بسذاجة، ونحن الأمة المتخمة بالجراح والفائضة بما يستدعي التعاطف.
أنا لست ضد رفع علم فرنسا والوقوف معها في محنتها، فسياسة فرنسا غالبا ما تتسق مع سياستنا في المملكة خصوصا تجاه قضايانا في الخليج والعالمين العربي والإسلامي، خصوصا فيما يتعلق بالأزمة السورية، وموقفها الواضح ضد استمرار بشار في الحكم، وكانت مؤيدة لعمليات عاصفة الحزم ضد الانقلاب على الشرعية في اليمن. وبغض النظر عن مواقف الحكومة الفرنسية السياسية المؤيدة دائما لمصالحنا، فالإنسان يبقى إنسانا مهما كانت جنسيته أو لونه أو ديانته ويجب علينا التعاطف معه، ونقف ضد الإرهاب في كل مكان على الأرض، ولكن من العيب أن نقع في فخ التعاطف المنحاز، ومن الخطأ أن نقع في فخ التعاطف المستورد. وأن يرفع معظمنا علم دولة فرنسا استجابة لموقع أميركي تجاهل كل أعلام الدول الإسلامية والعربية التي تعرضت لما هو أقسى وأشنع من الإرهاب الذي تعرضت له العاصمة الفرنسية.
تعاطف "فيسبوك" مع فرنسا يشبه بكاء رجل تعاطفاً مع طفل لجرح صغير في طرف أصبعه متجاوزا طفلا آخر بجواره أحرقه بشار بالبراميل المتفجرة، وفجر منزله إرهابي داعشي، واستشهد والده برصاصة قناصة من الاحتلال الصهيوني.