كتبت على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي، عن حالة التعاطف العريضة مع باريس والباريسيين، عقب التفجيرات التي أرعبت فرنسا، وقد صبغ كثير من أعضاء تلك المواقع صور البروفايلات الشخصية بألوان العلم الفرنسي، حتى وأغلبهم لا يعلمون ما تعنيه تلك الألوان الثلاثة (الأحمر رمز للحرية، الأبيض رمز للمساواة، الأزرق رمز للإخاء)، تلك الرموز التي تشكل المبادئ التي قامت على أساسها الثورة الفرنسية، كما أن العلم الفرنسي تأثر بالعلم الهولندي، ورفع في العام 1789 عقب الثورة الفرنسية، وأصبح علما رسميا للجمهورية الفرنسية في العام 1795، كتبت على صفحتي:

"هذا التعاطف الشعبي العام مع الفرنسيين إثر كارثة التفجير والقتل في فرنسا مفرح جداً، ويشير إلى مستوى وعي جيد بالمعاني السامية للإنسانية وقيمة الحياة، مقابل انحسار لفكر ازدراء الآخر، وتقلص مساحة تكفيره...".

وقد كانت كثير من الأصوات الرافضة لمبدأ القتل والتمسك بمبادئ السلم والتعايش، والتأكيد على حرمة الأنفس إلا بالحق؛ مبهجة، ومدهشة بتعليقاتها المبتكرة أحياناً.

وهذا في الواقع يعكس المستوى المتصاعد للوعي، بفعل تأثير أعمال الأنشطة التنويرية الثقافية على المستويات الإعلامية، ويعطي مؤشرات طيبة ومُبشرة بزيادة اتساع مساحة الوعي الاجتماعي على المدى القريب جداً، وهو ما نحن بصدد تكوينه والدفع به أفقياً وعمودياً، ليكون واجهة للضمير الاجتماعي العام لنا جميعاً، بالتوازي مع المضامين الكبيرة للرسالة الدينيةـ وأبعاد الفكر السليم للفطرة الإنسانية، لأن المحصلة العامة في النهاية هي بناء فكر وسطي يقبل بالآخر، وله القدرة على استيعاب فكرة الرفض التام لكل ما هو قبيح وإجرامي، بعيداً عن الاستسلام للعاطفة دينية كانت أم قبلية أم سياسية.

وعلى الجانب الآخر ظهر الصوت المعارض، وهو كالعادة الصوت المؤدلج بصبغة خطاب قديم ومكرور، عُرف بخروجه غير المنطقي عن فكر الوسطية وأسس الحوار المنطقي!

وهو الخطاب الذي يحمل فكرا إقصائيا، يبدؤك بسؤال مواز شكلا ومعاكس مضمونا؛ أين أنتم من التعاطف مع فلسطين وسورية وووو...؟

هنا في الواقع خطأ منطقي في الحوار، إذ إن السائل يحملك تهمة لم تقترفها أصلاً، ويحاول إظهارك بمظهر المخطئ وصاحب السوء والنقيصة، والفاقد للانتماء العربي والإسلامي، فقط لأنك لم تتقاطع معه فيما هو قريب من مستويات واتجاهات تفكيره وعاطفته، ذلك الذي يكفر الآخر ويرفضه جملة وتفصيلاً!

ومن ذلك ما كتبه أحدهم على صفحته: "فرنسا بلد قد يكون قليلاً في صف العرب بس لا نريد الموضوع يصل لمرحلة التمجيد... يا ناس هؤلاء كفار لا يجب أن نواليهم مهما كان".

هكذا يأتي الهاجس الأول الدائم لمعظم المعترضين مرتكزاً على مبدأ (الولاء والبراء)، دون الأخذ بمبدأ السلام الذي أخذ الإسلام تسميته منه..!!

هذا ليس قول معارض حُر بقدر ما هو قول متعصب لرأي وفكرة ما، لها منطلقاتها المشوشة أحياناً، والتي بقينا نعاني من نتائجها زمنا طويلا وما زلنا ندفع ثمنا باهظا لها.

بالنسبة لي سأقولها بصوت عال؛ نعم سأتعاطف مع الإنسانية دائما، وسأقف ضد القتل والحروب والحقد والكراهية، وسأمنح صوتي عاليا لحفظ الحقوق وكرامة الإنسان وحريته، ولا يعنيني دين أو جنسية أو عرق أو لون من يُقتلون أو يقتلون، ما يعنيني هو قدسية الروح الإنسانية وكرامتها التي كرمها الله.