مفهوم الحب لدى أفلاطون الذي أسس فلسفة الحب العميقة والجدلية أكثر تعقيدا من غيره، إلا أن أفلاطون اعتمد على مزاوجة فكرية جدلية للمتناقضات: الفقر والثراء، الحكمة والجهل، الفظاظة والتطلع إلى الجمال، الموت والخلود. ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الفكر قد شكل بالنسبة للثقافة كلها مركزاً ونقطة انطلاق لجميع محاولات التأويل النظري لمعنى الحب.

فعندما خلق الله آدم عليه السلام فطر في قلبه الحب، وجعله من مقومات الحياة بالنسبة له ولذريته من بعده! – ثم خلق حواء من بعضه ـ وهو عز وجل ـ قدير على أن يخلقها من عدم مثلما خلقه ـ ولكن هذا " التجاذر" بينهما جعل هناك شيئا غامضا عميقا بينها وبينه، فلا تستقيم حياتها بدونه مهما كانت الدعوات والنعرات والتمييز! وقد سطرت لنا الميثولوجيا عوالم زاخرة بالحب والجمال الحسي والمعنوي.

والحب في مضمونه هو عهد ووعد وحماية. عقد غير مبرم يتحمله كلا الطرفين إلا أن الرجل هو المنوط بتنفيذ بنود هذا العقد الذي خصه للرجل، لأن المرأة بطبيعتها قوية العاطفة التي تعرضها لكثير من التسرع في الحكم وللعاطفة دورها الكبير في هذا؛ فيقول أحد علماء التشريح إن رأس المرأة أصغر من رأس الرجل، فامتثلت كل وظائف الدماغ لهذا الفرق في الحجم إلا وظيفة العاطفة، فأصبحت العاطفة لديها أكبر من أي وظيفة أخرى! ثم إننا نجد تعلق المرأة وعاطفتها الجياشة تجاه الرجل ،راجعا للتمسك ببنود هذا العقد الضمني غير المبرم، كونها تنشد الحماية في ظله، وتأخذ بتلابيب وعده وعهده. يقول أحد الباحثين: إن آدم خلق من الأرض ولذلك فهو متعلق بالأرض، وحواء خلقت من ضلع الرجل فهي متعلقة به. ولهذا دائما وأبدا تنشد الاستكانة في ظله وتحت حمايته بحسب مضمون عهده!

وقد ارتبط الحب بالعودة إلى الفردوس المفقود والسعي الدائم إلى استعادته. فيقول فياتشيسلاف شتاكوف: (الحب سعي الأبدي، ويرتبط بالخلود، فمن الحيوانات، مثلها مثل الإنسان، المحكومة بالموت أن تسعى إلى الخلود والأبدية قدر المستطاع)، لكن للحب نصيبا كبيرا في الحركة والديناميكية، حيث ينتقل إلى فكرة الارتقائية التقدمية للمعرفة؛ وأولى منازله هي ولادة الأطفال، التي تسمح للإنسان بترك ذكرى بحسب المنظور العربي والخلود بحسب المنظور الفلسفي، حيث إنها تسمح للإنسان بذكرى خالدة إلى الأبد عن نفسه. وثانية منازله هي الولادة العلمية للأشياء، المرتبطة بالإبداع الشعري والأدبي أو التقني، وهناك مراتب أخرى للحب".

وفي مفهومنا "الميثولوجي" أن الحب في القلب، فهل هو ذلك الذي ينبض في الصدر؟

حقيقة عندما قمت بالبحث عن مكمنه خلال رحلة نظريتي (البعد الخامس)، لم أجد في الصدر إلا عضلة تضخ الدم من خلال الانقباض والانبساط، أما الحب فمكمنه في الرأس!

حيث إن منطقة العاطفة والوجدان هي المسؤولة عن الشعور بالسرور والكدر نتاج ما تتلقاه عبر الحواس الخمس، وهو فص صغير يربض تحت فصي المخ أمام منطقة الجبهة، ويطلق عليها علميا (الأميجدالا) وهي بحجم المضغة، تلك المضغة هي قلب المخ. فهل تتحكم هذه المضغة في العالم؟!

يقول امبيدقليدس: يسيطر الحب على الكون، وبهذا يكون الكون في حالة سلام، غير أن هذا الحب يستبدل بالكراهية التي تقود العالم إلى الفوضى وعدم الانتظار، ويستمر هذا الصراع بين الحب والكراهية!