يحسب لفضائية "الجزيرة" جرأتها وسبقها، في عرضها لجزء من وثائق "ويكيليكس"، التي تكشف نزراً من جرائم الاحتلال الأميركي في العراق، وتجاوز عدد من القوى السياسية والأمنية الفاعلة في بلاد الرافدين. وهو السبق الذي لم يكن لتحققه لولا الإمكانات المادية الضخمة المتوافرة، والإرادة السياسية الداعمة، وهامش الحرية المتاح لها.
وبعيدا عن الدخول في جدل التوقيت، والرسالة السياسية التي تهدف "الجزيرة" إيصالها في هذا الوقت تحديدا، وهي المرحلة المفصلية والحساسة، ضمن المخاض الطويل للحكومة العراقية المرتقبة، المختلف عليها داخليا وخارجيا. بعيدا عن كل هذا النقاش الذي له مكانه الخاص، فإن القناة بقدر ما جعلت ملايين من المشاهدين يتسمرون أمام شاشتها منتظرين الحدث، و"كشف المستور"، بقدر ما شعر عدد منهم بخيبة أمل "مهنية"، بسبب عدم تناسب ما عرض على الشاشة، مع حجم وأهمية المعلومات المتوافرة، والتي ضمتها وثائق موقع "ويكيليكس".
أطلت الزميلة خديجة بن قنة، ومعها الزميل جمال ريان، في "حصاد اليوم"، خديجة بهدوئها المعتاد، وريان بصوتٍ كأنه زئير الأسد! فيما المتابع يبحث عن حالة من الهدوء ليركز على جوهر المعلومة، بعيدا عن النبرة العالية المصاحبة لها. كان ريان يقرأ الخبر، وكأنه يتلو بيانا حزبيا، وكان يناقش ضيوفه، وأنتَ تخاله يصرخ في وجه أحدهم. فيما تسمعه في جزئية من الحصاد المسائي، يضفي صبغة من الوثوقية المطلقة على المعلومات التي يوردها، وكأنها أمرُ مسلم به، فيما كان الأجدر أن يقف منها موقف الصحفي المحايد، وهو الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على المتلقى.
طريقة عرض الوثائق على "الجزيرة" هي الأخرى كانت فقيرة من حيث الشكل، فلا الجرافيك، استخدم بشكل جيد وفعال، ولا التقارير المصورة المصاحبة، كانت ذات قيمة بصرية تواكب الحدث، فيما التلفزيون، هو صورة، قبل كل شيء.
أمرٌ آخر، يتعلق بالضيوف، حيث أُتي بمعلقين عراقيين، أحدهما من القائمة "العراقية"، والآخر من ائتلاف "دولة القانون"، ما "سيس" الحوار، بدلا من الإتيان بمتخصصين في تحليل الوثائق، وخبراء محايدين، بعيدين عن الاستقطاب العراقي الداخلي.
"الجزيرة" تثبت يوما بعد آخر قوتها الإعلامية، لكنها في ذات الوقت تسير بعضلتين، إحداهما قوية، والآخرة ضامرة، مما يجعل الصورة يشوبها شيء من عدم التجانس، وهو ما يدفع بعضا من المشاهدين لاستبدالها، بغيرها من أخواتها في الفضاء العربي.