لماذا أصر على الفنان، الموسيقي التونسي، ظافر يوسف، بوصفه أحد أكثر الحالات جمالاً وابتكاراً في وقتنا الراهن؟ لأمرين، أولهما أنه بالفعل تطبيقٌ فاتن للحياة التي كانت ستكون غلطة لولا الموسيقى، والثاني أن استعداده في ثقافتي الشرق والغرب مكّنه من خلق هذا المزيج المذهل في أعماله. ستجد العود إلى جوار الجاز والجيتار، وسيأخذك إلى عوالم التصوف والتماهي مع موسيقاه، حتى يومض شيءٌ ما في روحك من موسيقى الكون الكبير. سمّه "الاتحاد والحلول" الموسيقيّ إن شئت، زد على ذلك براعته في اختيار النصوص التي يقدمها، وكل هذا يتوجه بأدائه العجيب على خشبات المسارح، حيث يبدو وكأنه في انقطاع روحاني محض. إنه النموذج الذي يلزم الشباب، المتطلع إلى فنّ عظيم كالموسيقى في الوطن العربي، أن يتنبهوا إليه، فهو لم يفارق هويته العربية الشرقية، وفي نفس الوقت لم يجمد فيها، بل وبعمق معرفي واضح، ذهب إلى أغنية العالم.

ولد ظافر يوسف في طبلبة، ولاية المنستير، بتونس 1967، بدأ صوته البديع ينطلق عبر المآذن، فقد كان مؤذناً في قريته، ثم تعلم العزف على الغيتار، وصار يغني بالأعراس، ومن ثم تعلم عزف العود في إحدى الفرق. هاجر إلى النمسا حيث درس هناك الموسيقى، وهناك شكل فرقة "زرياب" إلى جوار عازف الجاز النمساوي وولف بوشنيغ، وهكذا خرج ألبومه الأول "المسافر" عام 1998، ثم ألبوم "ملك" الذي جال به عواصم ومدن أوروبا، وفي عام 2005 أصدر ألبومه "ظلال إلهية"، وانفجرت عبقريته وجنونه في 2010 عبر ألبوم "أنشودة أبي نواس.

ظافر لا يعتبر نفسه متصوفاً ولا عازفاً للجاز، لكنه مفتونٌ بعوالمهما السحرية والآسرة، في أحد الحوارات معه يقول إنه ينطلق في شغله من التجريب والسفر والمعرفة والاطلاع، قد يجد ضالته التي يبني عليها أفقاً خاصاً ومختلفاً، ليس في الموسيقى فقط، بل ربما في كتاب، أو نافذة قطار، أو لقيا عابرة، برصيف أو مقهى. ويعتبر يوسف أن الأهمية بالنسبة إليه ليست في الجماهيرية والانتشار، ولكنها تكمن في المستمع الذي أحس بموسيقاه، من وصلته رسالة الفن وجعلته يشف أكثر، حيث يوجد الإيمان الحي والصدى الذي لا يموت. هذا هو الفنان الذي نحتاجه.