يبدو أنه كلما طال أمد الصراعات في منطقتنا العربية كلما زادت تعقيدات إيجاد حلول سياسية، فما زال السياسيون يجتمعون في عواصم العالم دون أن يجدوا حلا حقيقيا للمشكلة الحقيقية التي ولدت في المنطقة، وبدأت تغيير مسار الواقع والمتمثلة في بروز قوى راديكالية دينية قادرة على التأثير على الأرض وخارج الحدود.
حادثة اعتداءات باريس يمكن اعتبارها النقطة المفصلية لهذا العبث السياسي الذي تعيشه المنطقة والعالم، وكي نفهم فظاعة ما جرى وخطورته علينا، يجب أن نقرأ ما التأثيرات المترتبة والمتوقع حدوثها في الفترة القادمة كرد فعل ملموس؟.
لقد أطلق بابا الفاتيكان وهو رأس الكنيسة المسيحية عنوانا عريضا لتلك الحادثة، بأن اعتبرها "جزءا من حرب عالمية ثالثة"، وهو تصريح سيبني عليه الداعشيون خطابهم الإسلاموي الجهادي، باعتباره خطابا صليبيا يؤكد عالمية حربهم المقدسة، والتي يجب أن يخوضوها للنهاية.
الحادث الذي يعد الأكبر من نوعه منذ عقود، أدى إلى إغلاق الحدود الفرنسية، ومنع غير الأوروبيين من دخول باريس، وتردد معلومات تقول بإيقاف إصدار تأشيرات "الشنغن" من السفارات الفرنسية، وهي مؤشرات تصب في اتجاه تأكيد ما بدأ يتردد في الإعلام الغربي بوصف الاعتداءات بأنها "سبتمبر جديد" وهو الحدث الذي غير العالم لما نعيشه اليوم من سريالية. ف هل اعتداءات باريس الإرهابية هي الحدث التاريخي الذي سيدخل أوروبا إلى حرب إقصائية جديدة مع العالم العربي والإسلامي؟ هذا ما ننتظر تكشفه. الهجوم الباريسي سيعني، بلغة الإجراءات، أن يتأثر من ذلك على الأقل مئات الآلاف من اللاجئين العرب في أوروبا، ممن هربوا من البطش الأسدي، ما يعني ازدياد العداء للعرب والمسلمين في فرنسا وأوروبا، تماما كما حدث في أميركا بعيد أحداث سبتمبر، كما أن التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين الأوروبيين سيزيد بشكل ملحوظ. ارتدادات الحادثة سترفع وتيرة الحرب وشراستها في سورية والعراق ثم تزداد وتيرة حوادث الانتقام والإرهاب الداعشي في أوروبا والدول العربية والإسلامية المتحالفة معها، وبالتالي ازدياد حالة الشقاق داخل الدول الإسلامية ذاتها ما بين مؤيد ومعارض، ما سينتج زيادة في تطبيق الإجراءات الأمنية والحد من حرية التعبير والرأي، الأمر الذي سيكون له انعكاس خطير على تعريف ماهية المواطنة.