أطفأت باريس مدينة النور كما يسمونها مصابيحها غداة مساء متفجر. حيث جرت في الوقت نفسه 6 هجمات إرهابية متزامنة أوقعت 129 قتيلا ومئتي جريح، ولا زال عدد القتلى قابلا للزيادة.
على الفور، أغلقت فرنسا حدودها وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وحثت السكان على عدم مغادرة منازلهم، واستمر مجلس الدفاع الأعلى في حالة انعقاد.
وهكذا ستلاحظ عزيزي القارئ حجم الرعب ومقدار الفجيعة التي توشحت بها فرنسا، ثم تعال معي نطلع سريعا على قانون الطوارئ في فرنسا، والذي أعلن عن تطبيقه أول من أمس:
"يتشكل قانون الطوارئ في فرنسا من 16 مادة، حيث يعطي القانون للمحافظين في مناطقهم سلطات فرض منع التجول العام أو الجزئي وإنزال عقوبة السجن أو الغرامة المالية بكل مخالف سواء كان راشدا أو قاصرا. ويمنح القانون للمحافظين سلطة السماح لقوى الأمن بتفتيش المنازل في أي وقت من الليل أو النهار، ودون الحاجة إلى إذن قضائي خاص، وكذلك إبعاد من يريد من الأشخاص الذين يعتبرهم مصدر تهديد للأمن والسلامة العامة من مناطق إقامتهم، وفرض الإقامة الجبرية في "مناطق أمنية" محددة، وطرد أجانب، ومصادرة الأسلحة بما فيها أسلحة الصيد، وإغلاق أماكن الاجتماعات العامة والمسارح وصالات السينما والملاهي، وفرض الرقابة على الوسائل الإعلامية.
ويخول القانون للقضاء العسكري الحلول محل القوانين المدنية للنظر في الجنح أو الجرائم ما يمكن أن يشكل أداة ردعية إضافية في أيدي السلطات".
وباختصار، فإن قانون الطوارئ يعطي الحكومة سلطات واسعة للغاية ويحد من الحريات "التنقل، الرأي.." وتستطيع الحكومة عن طريق مشروع قانون يقدم إلى مجلس النواب فرض حالة الطوارئ لفترة طويلة، يحددها القانون الجديد بعد انقضاء فترة الـ12 يوما الأولى.
يضم قانون الطوارئ الذي يصفه البعض بأنه سيئ السمعة 16 مادة وتم تعديله 6 مرات منها مرة واحدة منذ صدوره عام 1955، و4 مرات عام 1960، والمرة الأخيرة عام 1980.
ومن أكثر المواد اللافتة في القانون تلك المتعلقة بحق فرض الرقابة على الصحف، والصلاحية التي يخولها القانون لكل من وزيري العدل والدفاع لإحالة الجنايات والجنح التي يختص بها القضاء المدني إلى المحاكم العسكرية.
وتعطي المادة الخامسة محافظي الأقاليم الفرنسية حق إعلان حالة الطوارئ، بما يمكنهم من "حظر تنقل الأشخاص أو السيارات في الأماكن والأوقات المحددة بموجب قرار رسمي"، إضافة إلى "منع الإقامة في كل أو بعض أجزاء الإقليم على أي شخص يحاول عرقلة عمل السلطات العمومية بأي طريقة كانت".
وتعطي الفقرة الأولى من المادة الـ11 السلطات الإدارية "سلطة الأمر بتفتيش المنازل في أي وقت من اليوم".
أما الفقرة الثانية، فتنص على أن السلطات العامة لها حق "اتخاذ أي إجراء لضمان الرقابة على الصحف والمنشورات أيا كانت طبيعتها، وكذلك برامج الإذاعة وعروض السينما والمسرح".
وتتضمن المادة الـ12 في فقرتها الأولى حق وزيري العدل والدفاع في "التصريح بتولي القضاء العسكري النظر في الجنايات والجنح التي هي من اختصاص محكمة الجنايات إلخ..".
تحدث هذه الطوارئ في فرنسا حيث يتم إخراس الإعلام وانتهاك الحقوق والحريات الشخصية –بحكم الطوارئ- وقد تتسع حدود الظلم في ظل قانون الطوارئ لمجرد الاشتباه، بل قد يستغل القانون كيديا للإيقاع بأفراد أو جماعات محددة من منظور عنصري، وهكذا هي قوانين الطوارئ في كل العالم.
هنا في المملكة، شهدنا كثيرا من الهجمات الإرهابية، بل إننا نتلظى ونكتوي بنارها منذ أكثر من 10 سنوات، لكن ذلك كله لم يقتض إغلاق الحدود وإيقاف الرحلات، ولم يكن كل ذلك سببا في منع التجول، ولا السماح لقوى الأمن بتفتيش المنازل خلال الليل أو النهار دون حاجة إلى إذن قضائي، كما أنه لم يتم إغلاق الأسواق والمطاعم ومواقع الترفيه، ولم تتم إحالة الجنايات أو الجنح إلى محاكم عسكرية.
أقول ما سبق، ليعلم بعضنا أن بلادا كثيرة في عداد البلاد المتقدمة والمتحضرة لكنها -بجلالة قدرها- تعلن الاستنفار وتتخذ أقصى الإجراءات الاحترازية، وتطبق قانون الطوارئ رغم قسوته، فقط لأن هذه الدول تدرك أن الأمن مقدم على كل ما سواه من امتيازات وحريات فردية، وأنها في سبيل استقرار الأمن وسيادته فإنها تنزع إلى التضحية بكل قيم الديموقراطية والحضارة.
وإننا هنا في المملكة، لم نضطر -ولله الحمد- إلى مثل هذه الإجراءات، لأننا رغم كل شيء نعتبر الأمن والاستقرار هما النعمتان الكبريان، إذ ترتكز بناء على وجودهما كل الاحتياجات الإنسانية والبشرية وكل أسباب الرخاء والتطور.