ما الفرق بين سباقات الخيل، والألعاب الجماهيرية الأخرى وأهمها كرة القدم؟ كلها بطبيعة الحال رياضة، وللخيل عشاق كثر ومتابعون، ومتحمسون، بل ومتعصبون، وفي الغرب تجري على هذه السباقات مراهنات كبرى تصل إلى ملايين الدولارات، وأسعار الخيل عندنا وفي العالم، تصل في بعضها إلى أغلى مما نقرؤه عن عقود اللاعبين المحترفين، وهذه حقائق لا أظن أنه يختلف عليها اثنان.
الحقيقة الأخرى، والمعروفة، والمعلنة، أنه منذ بدأت سباقات الخيل في المملكة منذ عهد المؤسس رحمه الله، وجماهير الحضور في ميادينها من الجنسين "رجالاً ونساء"، بل وحتى فترة قريبة، وقبل إنشاء المدرجات الحديثة لجماهير حضور المسابقات، كانت العائلات "رجالاً ونساءً" يحضرون ومعهم "فرشتهم" وما يلزم لنزهة كهذه من "شاي وقهوة ومياه شرب"، ويفترشون ويجلسون على حواف مضمار السباق.
وبعد إنشاء المدرجات، والمضامير الحديثة، تم تخصيص مدرجات للنساء، وأخرى للرجال، ويكون الدخول والخروج وفق تنظيم دقيق، ولم نقرأ ولم نسمع عن حدوث أي مشكلة مطلقاً، وهذه الحقيقة – أيضاً – معروفة، ومعلنة، وواضحة، ولا غبار عليها.
في الجانب الآخر، تجتهد رعاية الشباب سنوياً، في تجديد تعميم قديم لمديري الملاعب الرياضية، للتأكيد على منع دخول النساء وحتى الصغيرات في السن "يعني الطفلات"، وأنا لا أعرف سببا شرعياً ولا عقلياً ولا اجتماعياً، لهذا المنع، وقبل أن يرفع أحدٌ في وجهي لوحة "خصوصيتنا"، أقول، إن جميع ملاعب كرة القدم وغيرها من ملاعب الرياضات الأخرى مؤهلة وجاهزة، لتخصيص بوابة أو بوابات، لدخول وخروج النساء، وكذلك مدرجات خاصة بهن، مثلما يحدث في أندية الفروسية في المملكة، كما يمكن عزل هذه المدرجات من جوانبها بحواجز "بارتشن" ثابت، فما المشكلة حين تدخل المرأة من مدخل خاص، وتجلس في مدرج خاص بالنساء، ألا يحقق هذا خصوصيتنا!؟ ثم إن الملاعب كلها مزودة بكاميرات لا يفوتها شيء مطلقاً، ومن أرادت منهن أن "تتنقب" أو تغطي وجهها كله، فلن تقلق من وجود "الكاميرات"، ومن أرادت أن تكشفه، فلا ضير عليها، إذ هي تكشفه في الطريق، والسوق، والمهرجانات، ومعرض الكتاب، بل إن كل هؤلاء النساء مختلطات بالرجال في معارض الكتاب، وفي المهرجانات، وفي الأسواق، وفي الحرمين الشريفين، وفي الحدائق والمتنزهات، وفي كل مكان، فهل سمعتم أو قرأتم عن أحد اعتدى على أحد!؟ سوى حالات شاذة، لن يقضي عليها سوى قانون صارم للتحرش، وكاميرات تراقب، وتطبيق دقيق من قبل الجهات الأمنية، وليس غيرها، كما يحدث الآن أحياناً كثيرة ممن يجتهد في استنبات "المنكر" لينكر عليه، أو يحوله إلى قضية.
إن منع النساء من دخول الملاعب الرياضية، ليس له ما يبرره – كما قلت – لا شرعاً ولا عقلاً ولا اجتماعياً، وفوق ذلك كله فهو حق لهن، ومطلب يقتضيه العدل والإنسانية والتحضر، بل وحتى "خصوصيتنا" التي لا نستطيع تبريرها أحياناً كثيرة، لا يوجد تعارض بين حضور النساء وبينها، بالصورة الخاصة التي وصفتها "دخولاً وجلوساً وخروجاً"!
وبناءً على هذا، يجب علينا ألا نلوم العالم حين ينتقدنا من خلال منظماته الحقوقية، أو يلومنا، وأحياناً يسخر منا، حول حقوق المرأة، لأننا لا نستطيع أن ندفع انتقادهم، ولا نرد على لومهم، ولا نوقف سخريتهم، وليس لدينا سوى "إكليشة" الخصوصية التي لم نستطع تحويلها إلى "خصوصية مقنعة"، بينما – لو أردنا – فالحلول لترجمة هذه "الخصوصية" إلى فعل، متاح وممكن وسهل، لكننا لم نفعل، ودخلنا كلنا من باب "سد الذرائع"، وهو باب واسع جداً كان ومازال ذريعة كل عاجز عن استخدام عقله، وفهم دينه الصحيح، وفقه الواقع!.