نسمع بعض الطرح هنا وهناك يتحدث عن حرب اليمن وأهميتها ومدى جدواها حالياً ومستقبلاً، وعلى العموم تعدد الآراء بنظري مفيد ولا بأس به، ولكن دعونا نناقش تلك الأفكار بصراحة ونفككها.
الحقيقة أن هذا الطرح جاء من اتجاهات متعددة، فبعضهم حقوقيون يميلون للسلم، وبعضهم غير مقتنع بحقيقة الخطر الإيراني على المملكة، ولن أناقش المثقفين الذين نعلم الخلفية الطائفية التي تدفعهم فهؤلاء نقاشهم له مساق مختلف.
قبل أن أناقش هذه الآراء أود إيضاح التسلسل التاريخي للأحداث؛ حيث إن الوضع الإقليمي كان كالتالي؛ في العراق حيث الحكومة الطائفية التابعة بشكل مباشر لإيران، وكان القرار العراقي فيها يصاغ في طهران وليس بغداد، مما أدى إلى ثورة عراقية وأزمة داخلية كانت تهدد حكومة إيران في بغداد، وتزايدت المطالبات والضغوط الدولية على الحكومة الإيرانية في بغداد، مما ألجأ المالكي لفتح المجال لعصابات داعش وانسحب طوعا من الموصل كما كشف هذا البرلمان العراقي، مما جعل العراق في مأزق آخر هو التهديد الكبير لداعش، والخلاصة أن حكومة إيران في العراق كانت مهددة.
أما حكومة البعث حليف إيران في سورية فهي مهددة أيضا، وخسارة النظام السوري المجرم بالنسبة لإيران تعتبر مفصلية كونه قد بنى الكثير من مصالحه وشبكاته الإرهابية في العالم من خلال حزب الله، وخسارة النظام السوري تعني خسارة حلقة الوصل الأهم للوصول لحزب الله، مما يعني خسارة الجزء الأهم للنفوذ الإرهابي الإيراني في العالم.
إيران في الداخل بدأت تعاني من أزمة اضطرابات من المكونات المختلفة داخل إيران من عرب وكرد وأذر، بالإضافة إلى المعارضة الإصلاحية، المهم أن إيران كانت تعاني من أزمات متعددة، وهي لا تتردد في خلق بؤر إرهابية وحرق العالم لأجل مكاسب خاصة بها، ومما لا شك فيه أن الانقلاب الذي قام به الحوثيون كان قراره وترتيبه صادرين من حكومة محور الشر الإيرانية في طهران، ومن المؤكد أنهم هم من تفاوض مع الرئيس المخلوع صالح وأقنعوه بالحلف معهم، ولا أتصور أن مجموعة الإرهابيين الحوثة يمتلكون القدرة السياسية والخبرة الكافية لاستمالة وإقناع أهم عدو لهم في السابق، والذي قاتلهم خمس مرات. وبمجرد سقوط صنعاء في يد المجموعات الحوثية أعلن مسؤول حكومة محور الشر أن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في أيديهم! وبهذه النتيجة فإن الأمن القومي للخليج لم يكن مهدّدا مثله اليوم من الإرهاب الإيراني.
المثير للاشمئزاز أنهم يتهمون السعودية بأنها هي خلف إيقاف التغيير والديموقراطية بالبلد، بينما يتحالفون مع أهم رمز فساد ودكتاتورية وهو الرئيس المخلوع! والمشكلة أنهم يعتبرون أنفسهم ثوريين إصلاحيين! ومما يحزن فعلا عندما تجد بعض الكتاب أو المؤدلجين يمينا أو يسارا يكررون مثل هذا الكلام!
تاريخ المملكة خالٍ تقريبا من أي تدخل عسكري، ودائما تميل المملكة نحو الحكمة والهدوء والسياسة، وهذا ما جعل إيران ترتكب هذه الحماقة ظنا منها أن المملكة ستبقى هادئة للأبد! ولكن هل ينتظر منا هؤلاء المثقفون أن يصل إرهابيو إيران إلى بيوتنا! أم أنهم يريدون منا أن نرفع الخرقة البيضاء استسلاما لحكومة إيران الطائفية المتطرفة!
كلنا لا نريد الحرب وهي السم الذي يتناوله المريض للعلاج، ولكنا مكرهون عليها، وإلا فإن القرن القادم سيكون إيرانيا متطرفا، وسيسعون بنا لنسبح بحمد المعصوم الذي يحكم باسم الله، "زعموا" ليل مساء! وللأسف أن الوطن العربي مليء بالأمّيين السذج الذين لا زالوا يعيشون عقل العصور المظلمة قبل خمسمائة سنة، وستجد إيران الساحة خالية لتلتهم ما تشاء!
إن بعض المثقفين وللأسف يتحدث وبكبرياء أيضا ويُسفّه آراء الآخرين ويتحدث بأننا نبالغ في الخطر الإيراني! ولكن لم يكلف نفسه دقائق يقرأ أدبيّات الثورة الإيرانية الطائفية الصرفة، ولم يحاول أن يقرأ شعارات إيران وسياساتها الغارقة في الطائفية والمجد الفارسي!
بعد أحداث مجزرة القصير السورية التي ارتكبتها عصابات حزب الله وإيران؛ كتبتُ أن دول الخليج تحتاج إلى أيديولوجيا أو فكرة قادرة على الصمود في مواجهة الغزو الإيراني المتطرف، مع الموازنة في أبعادها الخارجية والداخلية، وقلت وقتها إن قدرا من الطائفية سيكون أمرا واقعا فرضته سياسة إيران الطائفية، فإيران تمتلك عقيدةً طائفية وهدفا وبُعدا طائفيا يجمع بين عصاباتها الإرهابية المنتشرة في العديد من الدول؛ بالرغم من أن كثيرا منهم ليسوا إيرانيين، بينما دول الخليج لا تمتلك مثل هذا البُعد الثوري التصديري! ولذلك فأظن أن دول الخليج ستجد نفسها مضطرة لحلول أخرى لمواجهة الغزو الإيراني الثوري الذي لا يمكن مواجهته بشعارات بينما هم يرفعون عليك السلاح ويقومون بحشد كل من خلفهم بحرب مقدسة ضد كل دول الجوار تقريبا!
فالمملكة بلا شك وجدت نفسها إما أن تقاتل الإرهاب الإيراني في اليمن اليوم وهو في مرحلة النمو، وإلا فإنها ستواجهه قطعا غدا وقد رتّب نفسه واستعد لنقل المعركة والإرهاب ليكون في الداخل الخليجي!
أما من يطرح أن الحل كان المفروض أن يكون بالحوار؛ فهذا بلا شك نابع من ضعف استيعاب العقلية الإيرانية المتطرفة، فعندما تتحدث مع عصابات تعتبر أن عقل زعيمها الأكبر معصوم ويحكم نيابة عن المعصوم فلا تظن أبدا أنها ستقتنع بكلامك لو تحدثت مائة سنة بلا انقطاع! فإذا ظن هؤلاء أنه بإمكانهم التفاوض مع إرهابيي داعش وتجنب الحرب معها؛ فإن الحوار مع إيران أسوأ بكثير، فداعش مجموعة إرهابيين حمقى وجهلة، ولكن الإيرانيون يختلفون عنهم كونهم يمتلكون خبرة ومعرفة أكبر بكثير في الإرهاب!
الخلاصة؛ كانت حرب اليمن إما أن نبدأها في توقيت نحن من نختاره أو يختار غيرنا الوقت الذي يريد ليمد يده المقطوعة لينشر الإرهاب لدينا!