معارض الكتاب هنا وهناك قائمة على أسس ثقافية من حيث المعايير الخارجية والمعطيات .. لكن عندما ننظر إلى بعض الذين يقصدون هذه المعارض بهدف اقتناء الكتب، وحضور ما يقام على هوامشها من فعاليات ثقافية، ثم يحسبون أنفسهم "مثقفين كبارا" فذلك شأن آخر يعود إلى التحليل النفسي للشخصية .. هناك عدة نماذج نلحظها في معارضنا العربية، تأخذ الكتاب قناعا تخفي به الوجه الحقيقي، وهذه أمثلة رأيتها وقد رآها غيري:

1- ثقافتنا تنظيرية إلى درجة أن المثقف يقف على المنبر يدعو إلى حقوق وحرية المرأة، ومشاركتها الرجل، وفي المقابل أخته وزوجته وابنته يعشن في الظل، وهذا دليل على أنهم يقولون ما لا يفعلون.

2- المثل والقيم وا?خلاقيات المقروءة تبقى فقط فترة قراءة الكتاب، وبعد الانتهاء تعود النفس الأمارة بالسوء إلى طبيعتها ا?خرى.

3- المثقف هنا مثقف مزيف لا يقبل القسمة على اثنين..أناني يقدس ذاته، ويضخمها حتى تنتفخ ولا تتسع كل المساحة لها .. تجده لا يعترف بسواه، ولا يفرح بإنجاز ا?خرين، ولا يهتم للعمل الجمعي، بل يحاول تقزيم الآخر بطريقة أو بأخرى.. وعادة مثل هؤلاء نهايتهم كالبالون المملوء بالهواء .. ومع أول وخزة قوية ينفجر ويعود لا شيء..

تلكم نماذج ثلاثة من المثقف في الوطن العربي للأسف.. وهناك نماذج أخرى يتعذر الحديث عنها، لأنها وصلت إلى مرحلة ميؤوس منها ..

قيمة الكتاب الذي يأخذ منك مبلغا ووقتا، لا بد أن تضيف لك على الأقل صفاء النفس والاستقرار على مبدأ واحد.

لقد كنت غائبة عن هذا الوسط، وفقط منذ ثلاث سنوات تعاطيت معه، وبحكم عملي عرفت مئات من المثقفين، ووجدت منهم ما يقارب 4% يحتكمون إلى قانون الثقافة الحقيقي، والنسبة الباقية يرتدون قناعا -للأسف- يسقط سريعا ..

يحزنني أننا لا نجد أثرا إيجابيا لهذه التظاهرات الثقافية على أنفسنا، وعلى مجتمعاتنا .. بل تمر كما تمر مرحلة انتقال من محطة إلى أخرى في طريق العودة، وليس في طريق المضي نحو الأمام..

وإن وجدت آثارا فهي ظاهرة في التحزبات والتكتلات والطائفية فقط..فثقافتنا العربية تنتزع المثقف من دوره الأساسي، وتحيله إلى مجرد سياسي يخوض في شأن الشارع أكثر مما يعمل على الإسهام في بناء ذلك الشارع بدوره الحقيقي..

أحلم أن يكون المثقف مثقفا حقا .. واعيا بمفهوم الثقافة، وأنها ليست بعدد الكتب المقروءة ، ولا باللقاءات التلفزيونية..

الثقافة قالب لا نستطيع أن نزج أنفسنا فيه إن لم نكن أنقياء حتى لا يتلوث ..