قلت في مقال سابق إن "إدارة المرور" في الميدان تعاني ضعف الإمكانات التقنية والبشرية، والضعف الإداري بوضوح كامل، واليوم سأوضح لكم انطباعي، المبني على مشاهداتي ومعايشتي في مدينة "جدة" كأنموذج، لما أعتقد أنه يحدث في بقية المدن بالمملكة.
وابتداء أقول لكم إنني من أشد المؤيدين والمطالبين بتطبيق "نظام المرور" مهما كان، بشمولية وصرامة، وقوة، وكنت قد كتبت مقالات عديدة في هذا الصدد، لكنني كنت أعارض "إخفاء" كاميرات ساهر، لأن هذا "الإخفاء" يعني أن الهدف منه التصيّد، وجباية الأموال، والآن "الحمد لله" أعلنت إدارة المرور أنها تسلمت المشروع، ولن تخفي الكاميرات على الطرق بعد الآن، وهذا ما نشكرها عليه، بل ونطالبها بأن تجعل هذه الكاميرات في مسافات متقاربة على الطرق التي تربط بين المدن كلها، وأن تتم برمجتها بحيث تضبط كل مخالفة لنظام المرور، وليس السرعة فقط، وهذا المطلب ينطبق على داخل المدن.
في مدينة جدة "مثلاً" توجد "كاميرات" عند عدد من الإشارات الضوئية في الشوارع الرئيسة الكبرى، ومع أن قطع الإشارة اختفى تقريبا عند هذه الإشارات المراقبة، لكن باقي المخالفات المرورية في الشارع ما زالت كما هي: "وقوف ممنوع، المراوغة بين مسارات الشارع، الدوران من أقصى اليمين إلى اليسار والعكس، قفل طريق الخدمة لمن يرغب العبور إلى اليمين... إلخ"، كل هذا ما زال قائما، وخذوا ما هو "أفظع من ذلك"، ففي جدة، أربعة طرق رئيسة "سريعة" من الجنوب إلى الشمال والعكس "طريق الملك، والمدينة، والأمير ماجد، والحرمين"، لكن هذه الطرق الأربعة بطيئة الحركة جدا، أو متوقفة في معظم الأوقات، وإليكم الأسباب الواضحة وضوح الشمس، إذ هي "فوضى" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي كالتالي وعلى الطرق الأربعة دون استثناء:
أولا: يحدث حادث مروري "بسيط أو جسيم" فيتوقف طرفا الحادث، انتظارا لحضور المرور - الذي يحتاج عشرة اتصالات ليستجيب، ثم ساعات حتى يصل بسيارته إلى الموقع هو والإسعاف، إن كانت له ضرورة، وكيف يصل أي من السيارتين، وكل المسارات متوقفة، حتى أكتاف الطريق محشوة بالسيارات، وكل هذا الوقت على حساب أعصاب ووقت الواقفين المنتظرين للفرج.
ثانيا: على كل طريق من الطرق الأربعة مخارج إلى "اليمين"، ومنعطف "يوتيرن" للعودة، ولأن السبق للأقدر والمجازف، تجد كل السيارات متوقفة إلاَّ من "الزرّيقة" الذين ينتقلون من مسار إلى آخر دون حساب لغيرهم، وتجد المسارات كلها –خاصة في طريق الملك– متوقفة للدخول في المنعطف "اليوتيرن"، ولا حسيب ولا رقيب، بل إنك تلحظ في كثير من الأحيان أن سيارة "المرور" متوقفة في المنعطف أو قريبا منه، لكن "رجل المرور" داخلها مشغول "بجواله"، وأحيانا يتبرع أحد هؤلاء "الرجال المروريين" بإيقاف سيارته في أحد المداخل أو المخارج، من طريق الخدمة أو إليه وخاصة في "طريق المدينة"، فيحيل "المعركة" إلى موقع آخر من الشارع، أمَّا طريق الخدمة فيتحول إلى إقامة طويلة المدى لمن دخله قبل أن تحل بركات "سيارة المرور"! وإذا حدث ورأيت "رجل مرور برتبة ملازم فما فوق" في الشارع –أي شارع– فيجب أن تعرف أنه خرج "بالسيارة الرسمية" لقضاء بعض حاجاته الخاصة و"انزنق في معركة مرورية" من تلك التي يخوضها الناس يوميا، وفي معظم الأوقات!.
إدارة المرور عموما –قطعا– تنقصها الإمكانات المادية والبشرية، وأتصور أنه لو ما أنفق على حملات التوعية وأسابيع المرور من أموال، تم توجيهه لشراء "كاميرات مراقبة"، لكان غطت -حتى الآن– معظم الطرق والشوارع، ولقلت الحاجة للآليات والبشر، فالنظام الدقيق، وتطبيقه الصارم هما اللذان يولدان الوعي، وليس النصائح، سيما ونحن نعلم أن عدد وفيات المرور يوميا "18 نفسا"، عدا المعاقين والمتوفين في المستشفيات من أثر الحوادث، ولن يخفف هذه الخسائر في الأرواح والأموال، إلاَّ نظام مروري صارم شامل مطبق بدقة، وإلاَّ، فعلى الأقل يجب أن نكف عن تحميل "الوعي" وحده مسؤولية هذه الفوضى المرورية المزمنة والمتصاعدة! فالوعي لن تولده "شمَّاعات الإهمال الواضح!".