نعتقد بعد كل قصص الابتزاز التي نسمعها ونقرأ عنها، أن هنالك عقولا ما زالت تفكر وتحسب الخطر قبل أن تُقدم على استخدام أي برنامج تواصل اجتماعي، ولكن للأسف ما زلنا نعتقد بأن ذلك يحدث لغيرنا ولا يمكن أن يحدث لنا، وكأننا نعيش في كنف المجتمعات الفاضلة، وأن الثقة التي نقدمها سوف تقابل دائما بالتقدير والاحترام! لا يخطر على بالنا بأن تلك الصديقة التي نحلف بحياتها قد تكون خلف دمارنا أسريا ونفسيا واجتماعيا، لأنها قد تقوم بقصد أو عن غير قصد بإهمال جهازها الإلكتروني بحيث يتم استخدامه بكل سهولة من أي فرد مريض نفسيا في أسرتها، فيدخل ويسرق ويخرج دون أن تشعر! أو لسبب غيرة متخفية أو حقد دفين ارتدت قناع الصداقة فقط لتحصل على معلومات شخصية عنك، تستدرجك تحت اسم الصداقة والأخوة لتقديم كل تلك المعلومات على طبق من فضة! ثم تقوم بنشرها تحت اسم مستعار على النت، وتدعي البراءة!

فعلا تزعجني سذاجة البعض حين تقوم على تجربة البرامج الحديثة، فتضم إلى جانب صديقاتها بعض الشباب أو الرجال فقط لأنهم، كما تقول معروفين ولديهم الكثير من المتابعين! وأنكى من ذلك حين يكون البرنامج لنشر الصور والمقاطع الشخصية كالذي يدعى "سناب شات"! عزيزتي استيقظي واعلمي أن لديك مشكلة! تعلمين أنك من مجتمع محافظ وأسرة محافظة، لا تقبل حتى أن يظهر طرف ظفرك للغريب، وأنت بكل سهولة تتغاضين وتنشرين صورك لكل من هب ودب مؤمنة بكل سذاجة بأن خاصية عدم بقاء الصورة بعد الفتح! يا ابنتي ما ينشر على النت حتى ولو اتخذت كل التدابير يبقى في الفضاء السايبري، وبدل الطريقة هنالك مليون طريقة يستطيع من خلالها الهواة الذين أصبحوا في هذه الأيام يضاهون الخبراء في الاختراق والاستيلاء على كل ما يريدونه متى ما أرادوا ذلك، وليس هذا فحسب بل من خلال برامج كالفوتوشوب تتم الإضافات للتمكن من إدخال الصدمة والرعب إلى نفسك فيشل تفكيرك ويصبح التحكم سهلا، وتصبحين بين ليلة وضحاها تحت رحمة من لا يرحم، بلا ضمير ولا إنسانية، نفسية مريضة تريد أن تمارس ساديتها من خلالك!

التنمر الإلكتروني ليس ظاهرة حديثة ولا تشمل البنات فقط بل الشباب والأطفال أيضا، وفي الغرب تتم محاربة ذلك بطرق عدة أولها بتوعية الأسر ومن ثم توعية التلاميذ والطلبة في المدارس، وأفضل ما تابعت هي المقاطع على "اليوتوب" التي قام بها الطلبة أنفسهم لشرح ما تمر به الضحية وكيف يتم إيقاعها في الفخ، لقد أشرك المعلمون والمعلمات الطلبة في مواجهة هذه الظاهرة، وهذا في رأيي أقوى من محاضرة قد يستمع إليها المستهدفون أو لا يعطونها أي اهتمام لأنهم في الأصل مشغولون فيما يبث على أجهزتهم الإلكترونية، وهنا يضيع المجهود وتنسف الأهداف ولا تصل الرسالة.

وكأعضاء هيئة تدريس وإداريين في المؤسسات التعليمية علينا واجب كبير إضافة إلى المهام الأكاديمية، نحن أيضا مسؤولون عن الصحة النفسية للتلاميذ والطلبة، ونحن من يقضي معهم أوقات طويلة خلال الدوام الدراسي، ونحن من وجب عليه أن يلاحظ أي تغيير في سلوك الطالب من تراجع في المستوى الدراسي أو الانطواء والغياب المستمر والانفصال عن بقية الطلبة، أو مظاهر الاكتئاب التي تطفو وتتحكم بهم، لنتابع نظراتهم بل لنقرأها بكل شفافية لعلنا نخترق هذا الجدار الذي ظهر فجأة في حياتهم، لنردد عليهم بأن حياتهم تهمنا وأننا متواجدون في أي وقت للمساعدة وأن لا شيء يصدمنا، وكلمة "يصدمنا" هنا حيوية لأنها توصل إليهم بأننا لن نحكم أو نحاسب بل سنسعى معاً لحل أي مشكلة يجدون أنهم أصبحوا سجناء بل تائهون داخل أروقتها لا يعرفون لها مخرجا، مهمتنا لا تنتهي داخل قاعة المحاضرات أو الصفوف الدراسية، مهمتنا حياتهم لأنهم أصبحوا جزأ من حياتنا.

عزيزتي الطالبة أوعزيزي الطالب لتعلم أنك غال علينا بل إنك خلقت في هذه الحياة لدور أراده لك الرحمن، قد تكتشفه في أول الطريق أو خلاله، لكن لا تسمح لأي شيء أن يعطلك عن مستقبلك ورسالتك، فكل إنسان يمر في حالات ضعف وقد يقع في الخطأ، وربما لا تكون أنت من أخطأ بل مجرد ضحية إهمالك وفبركة وابتزاز شخصية مريضة، المهم أن يكون لديك إيمان أكيد بأنك لو وجدت نفسك يوما تواجه مثل هذه الأزمات، فإن ما تمر به ليس سوى حالة مؤقتة، وكل ما يجب عليك فعله هو أن تتحرك وتشرك شخصية تثق بها من الأسرة أو من أساتذتك ومعلميك، لا تحتاج أن تبحث كثيرا لتعرفهم فقط أفتح قلبك لتشعر بمحبتهم؛ هي مجرد إشارات عابرة مثل كلمة ابتسامة أو لمسة على الكتف ترسل إليك طاقة إيجابية تشعرك بالراحة، لست وحيدا ولن تكون وحيدا بإذنه تعالى، فقط اصغ لما أقول لك وتحرك وتواصل، ولا تترك نفسك تغرق تحت سياط الابتزاز أو أي تنمر أو تعدٍ إلكتروني؛ قاوم، واعلم أن مثل هذه الحالات حين تصل للجهات المختصة تعامل بكل سرية، وأن المعتدي لن يفلت بل يتم القبض عليه وبأسرع مما تظن.