ثمة ارتباط وثيق بيننا وبين الحفر، فشوارعنا يوميا تجعلنا نتعايش مع الحفر لدرجة أننا نستغرب إن وجد شارع بلا حفرة!
وإذا ما جنحنا بعيدا عن الشوارع، وتذكرنا كل جائع، فأول ما يخطر ببالنا من الطعام فيما لذ وطاب سيكون وبلا منازع "المندي"، وحفرة المندي هنا تحضر بكل شموخ وعزة، وتكون لها الكلمة الأولى في سد الجوع!
وهناك حفر أخرى لا يمكن أن ننساها، لا سيما أنها حصدت أرواحا واصطادت أطفالا في عمر الزهور، كحفر المجاري في جدة، والتي رمّلت امرأة فقدت زوجها وابنها في لحظة واحدة وبسبب ماذا؟ "مجرد حفرة"!
الهاتف، الكهرباء، الألياف البصرية، كلها خدمات لا يمكن تقديمها إلا بصنع الحفرة، إذًا هي رفيقة البشر والعلاقة الوطيدة بيننا وبينها لا بد وأن تجعلنا أكثر فهما لها.
فحتى حين كنا صغارا وكنا نقيم دوري "البرجون" كان لا يمكن أن تتم البطولة بلا حفرة تسقط بها حبات "البرجون" فيتحقق الهدف ويفوز الفائزون.
وبمناسبة الحفرة، أشعر بالرعب من جبروت الفاسدين، وعدم خوفهم من الحفرة الأهم في الحياة، وبالتحديد في آخر لحظات حياتهم، فهي الحفرة الوحيدة التي لا تضع اعتبارا لأي شيء، ولا لكائن من كان بمعنى الكلمة.
فحفرة "القبر" مساحة واحدة ومكان واحد ومواصفات ومعايير واحدة للغني والفقير والأبيض والأسود والأنثى والذكر والوزير والغفير. فكلهم سواسية عند هذه الحفرة.
المفارقة العجيبة، أن من تسبب في حفرة تنكد علينا في الطرقات، وأن من تسيب وترك حفرة بلا غطاء فكانت مصيدة لإنتاج المآسي وحصد الأرواح، وأن من أهمل حتى في مراقبة نظافة حفرة المندي، كلهم مصيرهم حفرة القبر. وحينها ستكون إشارات بدء الحساب والعقاب قد حضرت.. فماذا هم فاعلون؟!