عندنا في "الديرة" من زمان قصة أصبحت مثلاً وعنوانها "تصرف يا علي"! و"علي" هذا كان سائق "قلاَّب" مرسيدس، وهو قصير القامة جداً بحيث يشك من يشاهده في أنه يرى الطريق، وركب معه في "الغمارة" اثنان من المشهورين بالنكتة، وكان "علي" يسير بسرعة فائقة في طريق ترابي في الجبل شهير بمنعطفاته الخطرة، وحفره، اسمه "القنازع"، فقالا له "هدئ السرعة فنحن في خطر!" قال لهما: "لا تقلقا إذا حدث شيء أعرف أتصرف!" وفعلاً انقلب القلاَّب، وأثناء تقلبه نحو الوادي السحيق، كان الاثنان يصيحان: "تصرف يا علي تصرف يا علي!" لكن علي "القصير الذكي" مات رحمه الله، وهما منيا بكسور ورضوض أقعدتهما مدى الحياة، ولم يبق لهما إلاَّ رواية طرافتهما أثناء مواجهة الموت!

منذ أيام كنت وثلاثة من الأصدقاء في سيارتي الواسعة المتميزة بإمكانيات حديثة متطورة، وكنت عشقت "الريوس"، وأثناء سيري إلى الخلف صاح بي أحد العابرين من الشارع: "خلفك حفرة انتبه"! قلت لمرافقي في المركبة: هذا جاهل يظنني أتعلم سواقة! فقال أحد المرافقين: أنت سائق ماهر ونحن واثقون فيك، لكن فعلاً خلفنا حفرة كبيرة ونراك متجهاً إليها! فنظرت إليه باحتقار، وقلت: "هالحين كل الناس يشيدون بسواقتي وأنت تقول أنتبه يعني أنا غافل" لو سمحت، انزل من السيارة، وطردته فعلاً.

واستمررت، وفجأة طرق الزجاج رجل مهذب –كما يبدو– وقال: يا أخي لو سمحت تراك قريب من الحفرة وستسقط فيها! فأغلقت الزجاج، وقلت لمرافقي هذا ملقوف آخر، قال أحد المرافقين: هو ملقوف فعلاً فانتبه! قلت: أمامي كاميرا، والمرايات من الجانبين، وخبرة "سواقة" من أيام "اللواري" وتقول لي انتبه! لو سمحت أنزل من السيارة، وطردته فعلاً!

لم يبق إلاَّ صديقي الحميم في المقعد الأمامي، ومع أن الشاشة أمامنا تقول "لا تعتمد على الكاميرا فقط"، والمرآة من الجانبين مكتوب عليها بوضوح "إنها لا تدل على الأبعاد الحقيقية!" إلاَّ أن صديقي لم يعلق، واستمر يشيد بمهارتي في "السواقة"، وأنا ثملت من مديحه ولم ألتفت إلى الخلف، ولم أكلف نفسي بالنزول لرؤية المسافة بيني وبين الحفرة "الهوة السحيقة"، واستمررت راجعاً إلى الخلف، إلى الخلف!

الآن أكتب لكم وقد سقطت مؤخرة سيارتي في الحفرة، وهي ذات دفع رباعي، وقد وضعت كل "التعاشيق" الممكنة، والكفر الخلفي يدور مكانه والأمامي يرفع السيارة ويخفضها ولا قدرة له على التحرك إلى الأمام! ولا بد من "ونش" ينتشلنا، أو أحد يدف! فأين الونش، وكيف أتصل بالإنقاذ والإرسال انقطع! وكيف يستطيع المارة أن ينجدوني ويدفون السيارة من داخل هذه الهوة؟!

أطرف ما في الموقف، أن صديقي اللذين طردتهما، والاثنين "العابرين" اللذين نبهاني للحفرة، واقفون يضحكون، وأنا في غيظ شديد من الأربعة، لكن صديقي الباقي معي قال لي: والله إنهم محقون فلا تزعل إلاَّ على نفسك! قلت: وعليك أيها المنافق! قال: نفاقي ومكابرتك وجهلك أوصلتنا إلى هذه الحفرة، فدعنا من الملاومة وخلنا نخرج! وهنا تذكرت مكابرة "تصرف يا علي!!" لكن بعد فوات الأوان.