جاء في كتاب: "عجائب الوصايا"، لمؤلفه أبي الصبر بن المتأمل بن أبي الطيب الصادق المغبوني الواق واقي المُتوفى قبل أن يصير مضغةً أو علَقة:

.. وأوصى واق واقي ابنه وصية عجيبة، تبدأ أفكارها كلها بـ"إذا" الواق واقية، لا الشرطية أو الفجائية أو الزئبقية، وتنتهي بما بعد فاء جواب الشرط غصْبا عن القاعدة النحوية، فقال:

يا بني: إني أعلمك "إذاءات"، وأجيب عليها بـ"فاءات"، تليها افتراضيات، فيها ما يصح وما لا يصح، فخذ عني ما صح عندك، ودع ما لم يصح في ذهنك؛ لأن ما أفرزتْه تجربتي الموتية الطويلة، قد لا يصلح لك، ولا ينطبق على موتك ومقبرتك وأحوالهما.

يا بني: إذا وجدتَ آدمياً ينصحك بالسير في طريق يؤدي بك إلى "السقوط"، أو الفشل، ورأيتَه يمتدح أخطاءك، ويزيّن لك الظلم، ويحذرك من القانون والعدالة واحترام حقوق الإنسان، ويصف امتهان الكرامات بأنه نوع من القوة، وسبب من أسباب السيادة والتمكين، فاعلم أنه خائن خفي جبان منافق؛ ذلك أنه ينخر –بالكذب- جذعَك مؤمّلا زوالك، بما يزيّنه لك من أسباب المهالك.

وإذا وجدت آدمياً يظلم باسمِ مَن هو أعلى منه، سواء أكان الأعلى منه إنسانا ذا نفوذ وقرار، أم كان أعلى من الإنسان ومن المخلوقات كلها علوا كبيرا، فاعلم أن إخلاصه وولاءه لذي النفوذ والقرار معدوم، وإيمانه بمن هو أعلى من المخلوقات كلها ضعيف؛ لأنهما عنده ليسا سوى مُسوّغين للظلم، يريد باسميهما أن تظهر ممارساته الظالمة في أعين دهماء الواق واقيين عدلا، ليحصل على الامتيازات تلو الامتيازات، ويتصدر المجالس والتجمعات، ويجمع التبرعات فوق التبرعات، ويخطط المخططات، ويحوّل الحوالات بعد الحوالات إلى مختلف التنظيمات والجماعات.

وإذا وجدت شخصاً يتتبّع أثرك بالنقد للنقد، وينتقص من منجزاتك، ويشكك في قدراتك، ويحاول –بالقول الهزيل– أن يحوّل ما أنت عليه من النجاحات، إلى فشل وعثرات، ويردد على لسانك في المجالس و"التغريدات" و"الحالات" من السوءات ما لم تقله قط، فاعلم أنه كان يتمنى أن يكونك، أو قريبا منك، لكنه لم يستطع ولن؛ لأنه انشغل بك عن تطوير ذاته، فأذاع فضائلك من حيث لا يحتسب، حتى صدَقَ عليه قول شاعر من أرضٍ بعيدة، تسمى بلاد العرب:

وإذا أرادَ اللهُ نشْرَ فضيلةٍ..

طُويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ

وإذا وجدت الآدمي سيبيريا في مجالس السيبيريين، وياجوجيا في مجالس الياجوجيين، وواق واقيا في مجالس الواق واقيين، فاعلم أنه انتهازي جاهز لخيانتهم أجمعين.

وإذا وجدت آدمياً يمتدح الأباعد متجاهلا سيئاتهم؛ لأنهم إلى حزبه ينتمون، ويقدح في الأقارب متعامياً عن حسناتهم؛ لأنهم لحزبه كارهون، فاعلم أنه إلى الأباعد أقرب، وعن الأقارب أبعد، وأن أولى شرارات الفتنة كفيلة بوقوفه في صف الأعداء دون "إحم ولا دستور".

وإذا وجدت الآدمي يحرّم شيئاً، ثم يأتيك بمثله تماما قائلاً: هذا هو البديل الحلال، فاعلم أنه لا يحرّم مُحرّما بالإجماع، وإنّما يريد تكثير الأتْباع، بأنْ يكون المُحّرم وفاعلُه وجمهوره تحت إبطيه، لحاجات في نفسه السياسية الأمّارة بالسيطرة على كل شيء، تمهيداً لتحقق الحلم.