"خالد الفيصل بن عبدالعزيز" رجل مهموم بمستقبل وطنه وأمته العربية، وهو ليس الوحيد في هذا الهم الثقيل، لكنه يتميز بأن أفعاله تسبق أقواله، فمنذ أن بدأ خطوته الأولى في صعود سلم المسؤولية والنجاح المتميز قبل أكثر من نصف قرن، وهو شعلة ضوء تنير الدروب نحو مستقبل أفضل، وهو ما مكنه من السبق والتفوق في إنجازات وطنية وعربية كبرى، وعلى كل المستويات، الرياضية، والسياحية، والإدارية التنموية، والفكر النير الباني، والخفي المظلم، وهو أول من وضع خطة استراتيجية عشرية تنموية لمنطقة، وهو أول مسؤول والوحيد الذي يفتح مجلسه ومكتبه للناس طيلة الأسبوع، وهو أول من سخر المال لخدمة الفكر والثقافة من خلال مؤسسة الفكر العربي التي تعد أول مؤسسة عربية تصدر تقريراً سنوياً دقيقاً عن التنمية في الوطن العربي بشمولية ومصداقية "وهو تقرير لا يقرؤه مع الأسف المسؤولون العرب!"، وهو أول من نظم الجوائز والمسابقات للمتفوقين والمتميزين من طلاب وطالبات المدارس والمواطنين في المملكة، وهو رائد وربان جائزة الفيصل العالمية التي تضاهي جائزة نوبل، وعلى المستوى الشخصي والسلوك فهو لا يدعي ما ليس من إبداعه، بل كثيراً ما أشاد بمن سبقوه إلى فكرة أو مشروع أو كلمة أو بيت شعر، وهو حفي بكل من يقدم فكرة نابهة وداعم لها، وهو لا يستثمر ولا يشارك في تجارة أو عقار أو بورصات، فهو عفيف النفس واليد واللسان "عف، فعف من دونه خوفاً أو خجلاً أو اقتداءً"، فهو لا يقبل هدية من شركة أو صاحب مصلحة أو عزيمة من أحد، ولا يسمح بالثناء والمديح لشخصه، لا في مجلسه العام ولا الخاص ولا مكتبه، وهو رفض ويرفض تسمية أي مشروع أو مدرسة أو شارع باسمه، فعل ذلك في عسير على مدار أكثر من سبعة وثلاثين عاماً، ويفعل ذلك الآن في منطقة مكة، وهو لا يقبل وساطة ولا شفاعة فيما يخرق النظام، أو يستثني أحداً منه، لكنه سبَّاق إلى العفو العام فيما يقع ضمن صلاحياته، ومشجع على إصلاح ذات البين، وهو... وهو... ولا سر في الأمر، إنها الثقافة التي عمر عقله بها، وإنه الوعي الذي كان ثمرة التأمل والتطلع، وإنه الإرادة التي يعرف متى وأين توقيتها، وإنه الإدارة المتطورة المتوثبة، وإنه احترام العقل والإنسان والاختلاف، وإنه قبل ذلك ومعه وبعده، الفهم العميق السوي السليم لعظمة الإسلام.
خالد الفيصل قارئ نهم، وإداري قائد فذ، ومبدع متميز، وهو منتج، وهو فاعل، وكثيرون غيره قرؤوا ويقرؤون آلاف الكتب، لكن كثيرين منهم مستهلكون للمعرفة، أمَّا هو فموجز حي لقصة الإنتاج النابه، والوعي المستنير، والإبداع المتفرد.
كثيرون من محبي ومتابعي "خالد الفيصل" -وأنا منهم– ابتهجوا بتكريمه في معرض الكتاب بالشارقة وهو جدير بالتكريم والتخليد على مستوى وطنه، ووطن العرب كلهم، أمَّا هو فقد ابتهج بطريقته البليغة العميقة، حيث وقف شامخاً على منصة التكريم، ليشكر ويثني على من خصه بالتكريم، لكنه فوراً عبر عن التكريم الحقيقي الذي يتطلع إليه لأمته، فقال: "لا حضارة ولا تطور ولا تقدم، إلاَّ بالفكر والثقافة والتعلم، فبالعلم ترتقي الأمم، وترتفع البلاد إلى القمم، بالمبادئ والشهامة والشمم، أيها القيادات العربية الرشيدة: أطفئوا نار الفتنة الزهيدة، وارفعوا شعار المعرفة المجيدة، فالعرب يستحقون الفرصة الجديدة"، والفرصة الجديدة التي دعا –الفيصل– العرب إلى اغتنامها، هي امتداد للفكر "الفيصلي" منذ عقود عندما قال وكرر وفعل "أن بالعلم والإرادة، وبالوعي والإدارة تسمو الأمم وتتقدم".
خالد الفيصل ظاهرة فريدة بين المسؤولين المثقفين العرب، وهو يملك مفاتيح نادرة لفتح أبواب التطور والتقدم والنهضة، محلياً وعربياً، وهو في حدود مسؤولياته قال وفعل، وهو سعى ويسعى إلى إيصال صوته ومفاتيحه السحرية إلى كل أذن وعين ويد في خريطة العرب، لكن من يسمع؟ من يعي؟ من ينفذ؟
التاريخ سيقول ذات يوم للأجيال القادمة: "إن الفيصل نفسه كان فرصة تاريخية لوطنه وأمته، لم تستثمر كما يجب!".