في بلدة ما، وفي زمن لا نعرف عنه شيئا، كان يعيش شخص يدعى علم. رزق علم بنعم كثيرة، فقد كان حسن المنظر، بهي الطلعة، فصيح اللسان، عذب الصوت. ومع كل هذه النعم رزق بعقل ماكر مكنه من توظيف كل ما ذكر من صفات بفرض نفسه على أهالي تلك البلدة، فعمل على تفرقتهم ونشر الفتن بينهم ليتفرد بحكمه عليهم. أحكم علم سيطرته على أهالي البلدة ونصب نفسه قاضيا عليهم، فتصدر كل مجلس من مجالس البلدة وأقام فيها محاكمه على العلن، ينادي على فلان فيقذف الرعب في قلبه ويتصبب عرقا، فيقوم علم بقراءة ذنوبه على الرجل، ثم يسأله "هل تقر بها؟"، ومن شدة خوف الرجل لا ينطق بكلمة فيثبت عليه الجرم (فالصمت عند علم إقرار).

من شدة خوف أهالي القرية منه أصبح أثرياؤهم يقبلون عليه ويمطرونه بهداياهم، فيرضى عنهم ويبرئ قاتلهم ويدين المقتول بحجة غيابه وعدم حضوره إلى المحاكمة، هذا كان حكم علم. ولزيادة نفوذه أحاط علم نفسه بجاريات حسان يستقطبن بعض من كان معرضا عنه، ولم يكتف بهذا فخصص أيضا وقتا لكي يرسل أهالي القرية صغارهم إليه لعلهم يحذون حذوه في كبرهم، فضمن علم بذلك سيطرته عليهم لأجيال وأجيال. لم يترك علم عيبا إلا وأظهره إلى العلن، ولكن دون أن يعاقب فاعله فكان بمثابة تشجيع للآخرين على ذلك، فانتشر ظلمه وفساده. سئم أهالي القرية من ألاعيبه وكذبه وفساده، فأجمعوا على أن يأخذوه هو وجواريه إلى أعلى قمة جبل في البلدة ويلقوه منها، لعل المحبة تعود إلى بلدتهم مرة أخرى. إن كان في ذاك الزمان علم واحد، ففي زماننا هذا أعلام كثر (أو في الحقيقة "إعلام") يستحق نهاية ذلك العلم.