الواضح أن عدد المسلمين في أوروبا في ازدياد الآن عن أي وقت في تاريخها، وهو ما يرجع بدرجة ما إلى موجات جديدة من الهجرة.
يواكب ذلك، تراجع الانتماء المسيحي في كثير من الدول الأوروبية الغربية. لذلك، فإن توقع زيادة أعداد المسلمين النشطين عن عدد المسيحيين النشطين خلال القرن الحادي والعشرين في دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا ليس مستبعدا. غير أنه ليس من المؤكد أن يحل الإسلام محل الثقافة العلمانية السائدة والتراث المسيحي.
ولا شك أن دعم فرضية الأسلمة غالبا ما ينطوي على إحصاءات ملفقة. ففي المملكة المتحدة، يعتمد كثير من المصادر الإعلامية على هيئة مراقبة الهجرة التي تقدم نفسها على أنها مصدر محايد وغير متحيز.
ومع ذلك، يقول البروفيسور كريستيان داتسمان من مركز بحوث وتحليلات الهجرة؛ أن استخدامهم تقرير الهجرة الذي شارك في تأليفه كان خطأ.
تستند فكرة الأسلمة على عدد من الفرضيات، إحداها أن الإسلام غريب على أوروبا.
ومن الواضح أن ذلك غير صحيح تاريخيا، إذ ظلت إسبانيا لقرون عدة معقلا رئيسا للمسلمين، في حين عاش السكان المسلمون في البلقان قرونا، وشهد كثير من دول أوروبا قدوم الزوار المسلمين منذ القرون الوسطى، واستقر كثيرون فيها لقرن أو أكثر.
وعلى سبيل المثال، تم بناء أول مسجد في المملكة المتحدة عام 1889، وفي ألمانيا مقبرة إسلامية منذ 1798، كما شهدت بولندا بناء المساجد منذ القرن السادس عشر.
وهناك فرضية أخرى تقول، إن القيم الإسلامية تتناقض مع قيم أوروبا المسيحية، ويفتقر ذلك أيضا إلى المصداقية، إذ يدل تاريخ الفكر على أن الأفكار الرئيسة للفلسفة اليونانية، والعلوم التي عززت الفكر المسيحي قرونا عدة، كما دعمت عصر النهضة، وطورت العلم الحديث، وصلت إلى أوروبا خلال المجتمعات الإسلامية، والتقدم الذي أحرزه المفكرون الإسلاميون.
فضلا عن أن هذه الفرضيات تتغذى على إساءة وسائل الإعلام وتصويرها للإسلام، خلال الربط بينه وبين تنظيم داعش أو أمثلة أخرى.
وفي الوقت نفسه، تستخدم صور قد تكون إيجابية عن الإسلام، مثل السيدة المحجبة، التي تصنع كعكا رائعا، لإظهار اجتياح الإسلام للبلاد. وليس من السهل دائما في هذا السياق نشر ثقافة أرقى وبيانات وتحليلات موثوق فيها.
في النهاية، إنه يصعب على الجمهور ووسائل الإعلام في معركة الهوية السياسية تحديد الرؤية التي تنطوي على مصداقية أكبر. إذ لا تتطلب المعركة مجرد طرح الحقائق بطرق مقنعة ويمكن الوصول إليها، ولكن أيضا خلق الرواية التي يمكن أن يتوحد معها الناس مع تعزيز رسالة إيجابية متسامحة حول القيم الأوروبية.