الصورة التي قد ترونها لي في مكان ما هي ليست لي، إنها لامرأة أكثر شبابا كنتها ذات يوم، وهذا الذات يوم قد يكون قبل عام أو عشرين عاماً، وربما في المرحلة الثانوية، وهذا اعتراف لا يخصني فقط، بل يخصنا نحن النساء المسكونات بهاجس الصبا الدائم، تماماً كبعض الرؤساء والزعماء؟

فأن تتقدم في السن هو أمر طبيعي وبديهي، ولكن متى كان الطبيعي والبديهي مقبولاً؟ أليس الموت أكثر السنن طبيعية؟ أليس خراب المدن وزوال الدول من طبيعة الأشياء؟ أليست الأمراض والكوارث والزلازل والبراكين والأعاصير طبيعية وتحدث دائماً؟

نتغلب على تلك الأشياء عادة بالأمل وبإعادة بناء الحياة، ونتغلب على التقدم في السن بالإنكار، وباستحضار صورة تنتمي لمرحلة انتهت والتمسك بها، نتعكز عليها لتعيننا فيما نحن نمضي في الحياة.

حين تفتح الواحدة منا صفحة على فيسبوك أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، لا تنشغل بمن ستقبل صداقته ومن ستطلب صداقته، وماذا ستكتب وماذا ستقرأ، ومن ستتابع، انشغالها الأساسي سيكون: أي صورة ستضع؟ ويزداد الأمر صعوبة مع إصابة كثيرات منّا بهوس تبديل الصور.

حين أصل للسبعين أو للثمانين إذا أعطاني الله عمراً (أطال الله أعماركم) ربما سأخفف قليلا من صور العشرينيات، حين أقدم نفسي للحياة، لكني سأحتقظ بها لنفسي وأضعها أمامي طيلة الوقت، وسأحملها في حقيبتي (طبعا إذا كنت ما زلت أمتلك القدرة على حمل حقيبة)، فوجهي ذاك هو دواء لإنقاذ روحي من فكرة الشيخوخة والفناء.

الزمن يمر، أجل هذا صحيح علميا ونظريا وتجريبيا وفلسفيا ودينياً، ولكنه بالتأكيد لا يمر نسائياً، يبقى ثابتاً في مكانه، معلقاً في الهواء كأرجوحة، ألا يقال لكثير من الأمور: هذا شأن من شؤون النساء؟ ثبات الزمن هو واحدة من تلك الشؤون، لا تفهمه الفيزياء، ولا تفهمه خلايا الجلد ولا ألوان الشعر، ولا يفهمه الرجال.

المرحلة التي تحتاج فيها النساء لمرور الزمن هي تلك الفترة التي تسبق سن الشباب، ففي استعجال الفتاة الصغيرة للوصول إلى مرحلة الصبا، تتقدم هي باتجاه الزمن محاولة جعله يمر بسرعة، فتسرق ملابس أمها أو أختها الكبيرة وترتدي أحذيتها أمام المرآة، وربما تتاح لها غفلة من الأعين لتضع من مكياجها وأحمر شفاهها، لتشعر أنها وصلت للسن الذي ستبقى عليه بقية حياتها.

وبعد أن فلسفت الأمر ودافعت عنه (ربما بغير حق) سأكمل اعترافي بأني أستخدم في بعض الأماكن الصورة ذاتها التي التقطها لي مصور لأستخدمها في بطاقة امتحان الثانوية، ربما لا أكون حرفيا من تفعل ذلك، لكنّ كثيرات منّا يفعلنها، وغالبا ما نتواطأ مع بعضنا على إخفاء ذلك عن الآخرين، والآخرون هنا هم الرجال، فكم من مجموعة نساء يسخرن من رفيقتهن التي تستخدم صورتها القديمة، ولكن حين يحضر رجل حتى ولو كان نادل المقهى الذي يجلسن فيه، فهنّ يصمتن تماماً، وكأنهن يخفين السر النووي.

في قصة للكاتب التركي الساخر عزيز نيسن تبدأ الحكاية بالجملة التالية: (كان هناك رجل عجوز في الخمسين أحب صبية مثل الفستق في العشرين)، وكان عزيز نيسن يوم كتب القصة في مطلع الأربعينيات من عمره، بعد عشر سنوات أعاد الناشر طبع المجموعة القصصية التي تضم القصة، وطلب من الكاتب أن يراجع الكتاب في حال كان لديه تعديلات أو تصحيحات، لم يغير نيسن في المجموعة كلها سوى كلمة واحدة لتصبح القصة هكذا: (كان هناك رجل عجوز في الستين أحب شابة مثل الفستق في العشرين)، لأن نيسن كان قد تجاوز الخمسين بقليل وقتها، وهكذا بعد عشر سنوات أخرى أصبح عجوز القصة في السبعين ثم في الثمانين، وكانت الشابة تبقى دائماً في العشرين.

فحتى حين يصيب هوس التقدم في السن الرجال، تبقى نساء الحكايا في العشرين، لأنهن يجب أن يبقين مثل الفستق، والفستق يكون دائماً في العشرين. لذلك لا تلومونا ولا تسخروا منّا، فكما أن التقدم في السن هو سنة الحياة، فإن رفض هذا التقدم والتحايل عليه هو كذلك سنّة من سنن النساء، وقد أتت السنّتان معاً، أتيا مثل عروض السوبر ماركت ملتصقتين بشكل يصعب فصلهما.

قولوا ما شئتم، لكني سأبقى في العشرين، وصوري تشهد على ذلك.