يقبع النظام الإيراني على ثروة هائلة ومتنوعة، فقد أنعم الله على تلك البلاد بالكثير من الثروات من النفط والغاز والأراضي الخصبة للزراعة والمياه من أنهار وبحيرات وينابيع، ومعادن ومحاصيل زراعية مختلفة، وثروات بحرية متنوعة. مع ذلك يعيش المواطن الإيراني مستوى معيشيا متواضعا جدا لا يتناسب وما تملكه بلاده من ثروات.

تشير النسب والأرقام القادمة من الداخل الإيراني حول المستوى المعيشي إلى حقائق مخيفة لا يمكن توقع أن تكون قادمة من دولة ثرية مثل إيران. فبحسب هذه الإحصائيات يعيش40? من الشعب بشكل عام -50?‏ من المتقاعدين، 75?‏ من المعلمين، 90?‏ من العمال- تحت خط الفقر أو الفقر المدقع. من جانب آخر، انعكس الوضع المعيشي المتردي في إيران على التلاميذ والطلاب في البلاد حيث تشير الإحصائيات أيضا إلى ظاهرة تسرب الطلاب من مراحل التعليم الأولى وترك مقاعد الدراسة والاتجاه نحو الالتحاق بالعمل بسبب الفقر ولمساعدة أسرهم على التغلب على الصعوبات المعيشية. وفقا لتصريحات مساعد وزير التعليم الإيراني، خلال العام الماضي فقط تسرب أكثر من ثلاثة ملايين طالب من المراحل الدراسية ما قبل نهاية المرحلة الثانوية. أيضا تتحدث الأرقام عن تسرب 65 ألف تلميذ تتراوح أعمارهم بين 6-9 سنوات، 50?‏ منهم من محافظتي سيستان وبلوشستان، وكردستان. علاوة على هذه الأرقام التي قد تفاجئ كثيرين، تتجاوز البطالة في إيران 30?، ونسبة الحاصلين على الشهادة الجامعية من هؤلاء تصل إلى 40?‏.

سعى جزء من الشعب الإيراني إلى التغلب على المعاناة والهروب من الواقع المؤسف عبر اللجوء إلى المخدرات، وبالتالي أصبح المجتمع يعاني من ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها إلى درجة عدم خلو أسرة واحدة من وجود مدمن أو متعاط بين أفرادها. هذه الظاهرة أدت إلى نتائج تتجاوز المتعاطين والمدمنين إلى الأسر، فقد طالعتنا الصحف الإيرانية بقصص بعض المتعاطين الذين قاموا ببيع بعض أطفالهم بهدف الحصول على بعض المال لشراء جرعة من هذه السموم أو لمحاولة البحث عن حياة أفضل لأطفالهم، وفي الوقت ذاته الحصول على بعض المال. مع الأسف الشديد، يبدو أن النظام الإيراني قد أعجبه هذا الوضع، كيف لا والحرس الثوري يتاجر في المخدرات على المستوى الداخلي والخارجي ويمول من عائداتها -إلى جانب المتاجرة في ممنوعات أخرى- عناصره خارج البلاد والمليشيات التابعة له. 

يتساءل كثيرون: ما الذي يجعل المجتمع الإيراني يعاني بهذه الحالة وبخاصة وهو يرى شعوب المنطقة من حوله تنعم بالكثير الذي كان الإيراني ينعم بمثله أو قريب من ذلك قبل بضعة عقود؟ لماذا يتم تجهيل الشعب وترتفع نسبة الأمية على عكس بقية دول العالم؟ لماذا انحدرت الأخلاقيات، وفقا لتصريحات عدد من رجال الدين وعلماء الاجتماع في إيران وانسلخ كثيرون من المعتقدات والقيم التي كانوا يؤمنون بها إلى درجة قيام كثير من رموز المجتمع بالتحذير من هذه الظاهرة التي عصفت بالمجتمع؟ أخيراً، كيف ستتصرف إيران في تعاملها مع القضايا الداخلية، وكيف ستستخدم الأموال المفرج عنها وعائدات النفط في حال قامت طهران برفع صادراتها من النفط؟ إلى جانب هذه التساؤلات المنطقية، هناك أسئلة أخرى كثيرة تحتاج المناقشة ولكن الأهم أن تفكر فيها الشعوب الإيرانية وتبحث عن مخرج من هذه الأصناف من المعاناة المتراكمة.  

من جانبنا، نستطيع القول إنه عندما وصل سعر النفط سابقا إلى 140 دولارا للبرميل، لم يتحسن حينها المستوى المعيشي للمواطن الإيراني، والآن يتحدث روحاني عن عدم إمكانية تحسن الوضع الاقتصادي في المستقبل القريب على الرغم من الوعود التي أطلقها قبل نحو عامين بهدف إقناع الشعب بضرورة انتخابه أولاً ثم التوصل لاتفاق نووي مع الغرب ثانياً. عليه يبدو أن معاناة المواطن الإيراني ستستمر في توجهاتها الحالية وسيصر النظام على توجيه الأموال من عائدات النفط والغاز وغيرها إلى الميليشيات والأحزاب المرتبطة به في منطقة الشرق الأوسط، أما المواطن الإيراني فسوف يردد: "يبقى الحال على ما هو عليه أو قد يتجه إلى الأسوأ وتتبخر الأحلام".