سعدت كثيرا خلال الأسبوع المنصرم بمشاهدة لقاء تلفزيوني على قناة "الإخبارية"السعودية مع رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، حيث يحمل وعيا ودراية كبيرة بأهمية الإرث العربي الذي عن طريق تحليله نصل إلى كنه الشخصية العربية، وهذا ما فعلته في موسوعتي "عبقرية الإنسان في الجزيرة العربية"، فخلال مشاهدتي للقاء أيقنت أن هناك من يحمل هذا الهم، وكيف يظهره للعالم الذي يستقي معلوماته من كتابات المستشرقين التي قد تضر بهذا الإرث!
وعلى سبيل المثال أسئلة: ما أصل العرب؟ وكيف تكونت أممهم؟ فجل كتابات المستشرقين، أن لا حضارة لهم ولا نسبا! لأن حضارتهم يطلق عليها الجاهلية الأولى والثانية. وبما أنهم ردوا تسمية أو مصطلح "الجاهلية" إلى خروج الأنبياء العظام؛ فإذًا الجاهلية في نظرهم هي جاهلية الدين. هؤلاء المستشرقون هم من ربطوا مصطلح "الجاهلية" الأولى بنبي الله إبراهيم عليه السلام والثانية بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم يرون العرب جاهليين لأنهم قوم رحل يتبعون منابع الماء والكلأ كما يقول(جيمس فريزر). كذلك رأى "مارجليوث" في حديثه عن الأدب العربي، إذ أنكر علم العرب بالقراءة والكتابة وبالتالي الشعر الجاهلي فيقول عن الشعر العربي القديم: "لم يكن هناك شعر قد وجد لدى العرب قبل العصر الأموي! مستنداً استناداً كبيراً على ما كان ينقل شفاهة فيقول: لنفرض أن هذا صحيح فكيف وصل إلينا ؟ الجواب أنه وصل إلينا إما شفاهة وإما كتابة.
ولم يقتصر هذا على الكتابة فحسب، وإنما امتد إلى أنه يستبعد ملكة الإبداع لدى العربي، فيرى أن العرب قد يحفظون أشعارا لمجرد الوجاهة بعيدا عن الإبداع ، ثم يعزز رأيه بحب العربي للشعر للوجاهة والسيادة ، فالسادة بينهم لابد أن يكونوا شعراء قبل كل شيء فيقول: إن القبيلة التي تضم أحسن الشعراء تسود".
وهذه الآراء لا تنال من الشعر كفن فحسب، وإنما في مضمون هذا الشعر، وهو من أهم المصادر التي استند عليها النسابة في نشر معاجم الأنساب، لأن الشعر القديم يحمل في طياته مدلولات على نشأة هذه القبائل وأنسابها بالإضافة إلى تسجيل كل ما يخص الشخصية العربية، وهنا تكمن الخطورة.
ألم يكتب عواهل اليمن نقوشهم شعراً بلسانهم وبلهجاتهم! وهناك منصفون حيث يقول ويثسنجر عن أبناء الجزيرة العربية: لم تأت حضارتهم إلا من تلك الوحدة وعدم التمييز وانتفاء العنصرية، ففتحوا البلاد وتوسع ملكهم لأنهم بطبيعة الحال أبناء ملوك؛ فلم يكد يمر قرن واحد على معركة اليرموك حتى امتد حكمهم من جبال "البيرينيه" وشواطئ الأطلسي ، إلى الهند وحدود الصين، فأسسوا إمراطورية تبلغ مساحتها أكثر من مساحة الدولة الرومانية. لقد خرجوا من الصحراء يجمع بين قلوبهم إيمان جديد. ولم يفعلوا ما فعل أتيلا، وجينكيز خان اللذان، خلفا وراءهما الخراب والدمار. بل كانت إحدى عجائب التاريخ أن العرب خلفوا، في البلاد التي فتحوها، مدنيَّة جديدة جمعوا فيها حضارتي الفرس والبحر الأبيض المتوسط اللتين لم تجتمعا من قبل، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة يتكلمها المسلمون من بلاد فارس حتى جبال"البيرينيه" على الحدود الفرنسية الإسبانية، حتى تفوقت هذه اللغة على اليونانية واللاتينية، وتطورت حتى أصبحت من أرقى اللغات في العالم. وبانتشار الإسلام واللغة العربية في الإمبراطورية الجديدة أزالت التفرقة بين الغزاة العرب ورعاياهم، وأصبح المسلمون أصدقاء للشعوب التي غزوا بلادهم وعاشوا في مجتمع واحد".