نتيجة لما قلت أمس فقد أصبح الكثيرون، رجالاً ونساءً، مشغولين بغيرهم من الجيران والمعارف والأصدقاء: "هل هو سني أم شيعي هل يصوم النوافل، هل يصلي الضحى، وكيف يلبس وتلبس، وهل يشاهد المسلسلات والأفلام، وهل يحلق ذقنه أو تنمص حواجبها وهل... وهل"!! وكأن الله فوضهم بمراقبة خلقه والتدخل في شؤونهم، وقراءة نواياهم، ومن يستمع لأسئلة الناس في الإذاعة والتلفزيون للوعاظ والمفتين والمواقع، يشعر أن دينهم أصبح مهددا من كل اتجاه، من كل أحد، وأنهم يحتاجون لمن يحلل ويحرم كل حركة وسكنة في حياتهم.

وحتى الآن، وعلى الرغم مما نعرفه من مخاطر التكفير وما يشهده الوطن من جرائم يندى لها الجبين، لم نجد في كل هذا مبرراً منطقياً عقليا؛ لإصدار قانون يجرم الطائفية والعنصرية والتكفير، وكل ما يفت في عضد الوحدة الوطنية، حتى إن "مجلس الشورى" صرف النظر عن النظام بحجج واهية مضحكة.

الإسلام لا يجيز -بل يحرِّم- قتل إنسان مهما كان دينه أو اعتقاده إلا إذا ارتكب جريمة توجب قتله، والإسلام لا يجيز -بل يحرِّم- تكفير من قال "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وحسابه على الله، والإسلام لا يجيز أن يحرِّم ما أحل الله مطلقاً، والإسلام لا يبيح معاداة من لم يبدأك بالعداوة الظاهرة.

والدولة تقيم علاقات ودية مع كل دول العالم، ما عدا "إسرائيل الصهيونية المعتدية"، وكل ذلك لا يتعارض مع كون المملكة دولة "عربية إسلامية" رائدة، وهي فوق ذلك تحترم كل الطوائف والمذاهب الإسلامية، والمقيمون على أرضها من مشارق الأرض ومغاربها ينتمون لطوائف ومذاهب وديانات مختلفة سماوية ووضعية، ولا ضير في ذلك، فالإسلام بعدله ورحمته وتسامحه مظلة لكل البشر، فهم يخدمون ويفيدون ويستفيدون ويحترمون أنظمتها.

كل ما تقدم صحيح وواقع، فتأمل، ثم يحق لك أن تتساءل: كيف نقضي على الإرهاب ومنابعه تترى، بل تملأ العيون والأسماع والعقول؟ لا. ليس هذا، بل أصبحنا ندين شبكة الإنترنت ونقول ونكرر أن التجنيد يتم عبرها، وهذا غير صحيح على إطلاقه. فالعقول المتشبعة بالتطرف والتشدد نحن من ملأها قبل "النت" وبعده، وما يحدث من استثارة من "داعش" أو غيرها إنما هو إيقاظ لما وقر في عقول وقلوب الشباب جعل انقيادهم خلف كل صيحة جهاد سهلا.

والآن دعوا العقول التي امتلأت، فوزارة الداخلية كفيلة بها، لكن دعونا نوقف الإنتاج. هذا هو التحدي، ونحن نستطيع إن أردنا، ومن يعارض هذه الإرادة –متى ما حدثت– فهو ذو غرض مشين نحو وحدة الوطن وكيانه دون أدنى شك –في نظري– أيّاَ كان، ويسعى لتقويضها، وهذا هو الخطر الماحق.