أمر فطري أن الإنسان يريد أن يرى في أبنائه ما عجز هو عن تحقيقه. ومن الطبيعي جدا أن يحلم برؤيتهم في أماكن وظيفية، حُرم منها لسبب أو لآخر!
ليس هذا ما يثير الانتباه. هذه آمال وطموحات مطلوبة، ودونها لا طعم للحياة. اللافت أن المجتمع ما يزال متمسكا في معاييره، بات لا يرى التميز والتفوق إلا في مجالات أو مسارات معينة، وهذا وصف غير دقيق، إذ لا يفترض أن يطمس المجالات الأخرى.
وربما لو أجريت استفتاء بين طلبة "الثانوية العامة" في بلادنا لوجدت المعاناة واحدة، المجتمع من حولهم لا يريد لهم سوى طريقين اثنين: إما أن تكون طبيبا أو مهندسا!
أتحاور كلما سنحت الفرصة مع عدد منهم. معظمهم لديه المعاناة ذاتها. ضغوطات أسرية، قسرية، إما لإرغامهم على الحصول على درجات عالية في مواد دراسية لا يحبونها، أو إلزامهم على دخول مجالات معينة لا يجدون أنفسهم فيها!
ربما الرسالة الوحيدة التي نستخلصها من برامج "القياس والقدرات" التي يتم إلزام طلبة الثانويات في بلادنا دخولها، هي أن الناس متفاوتون في قدراتهم وعقولهم!
"قلت لأحدهم كيف تجبر ابنك على تحقيق حلم عجزت عن تحقيقه أنت. دع ابنك يحقق أحلامه هو! قال: "فلان مسكين وعياله كلهم أطباء ومهندسون"! قلت له: أنت "أبو الذكاء" والمفهومية، لم تحقق أي إنجاز مُشرّف في حياتك!
هنا المشكلة. البعض "يتآكل" ليل نهار، يريد أن يكون جميع أبنائه متفوقين. هذا أمر غير منطقي. البشر قدرات متفاوتة. التفوق والتميز موهبة، لكنه قبل ذلك رزق من رب السماء.
مهما حاولت، واستعنت بالمدارس الخاصة، وبالمعلمين الخصوصيين، وقدمت الهدايا و"المفاطيح" لن تجعل من طالب غير متفوق متفوقا!
هناك مصطلح علمي يقال له "فروق فردية". في كل مجالات الحياة ثمة فروق فردية بين البشر.
لذلك، لا يفترض أن يمارس الأب سلطاته وجبروته على مراهق ضعيف، ليصنع منه عالم ذرة أو "فلتة زمانة"!
نعم، مرة ومرتين، ليس أمرا حتميا أن يكون ابنك متفوقا دراسيا!
من هنا، دع ابنك يعيش حياته دون قلق، وضغوطات نفسية. دعه يحقق ما يستطيع من أحلامه هو، ودع أحلامك لنفسك. الآخرون لم يُخلقوا ليحققوا لك أحلامك!