بشحمة أذني (لم أجد بها شحماً في الأصل) سمعت في نادي أبها الأدبي مطلع التسعينات أو نهايتها لا أتذكر، فضيلة الشيخ الشهير (العمري) وهو ينفي قدرة البشر على استنطاق الجان ومتراجعاً عن كل ما اشتهر بها يومها كأكبر (مستنطق) للجن ذاعت شهرته في الآفاق حتى خشي أهل قريته يومها من أنه يخرج الجن من أجساد مريديه الذين يأتون من كل حدب وصوب وقد يستقرون بعد الخروج في أروقة ودهاليز القرية. وللأسف الشديد فإن ميلنا للكثافة المفرطة في تحميل الجن مصائبنا وكوارثنا الآدمية الإنسانية لن تلد شيئاً سوى شكوك بعضنا في هذا المخلوق رغم الآيات القرآنية الكريمة الثابتة حتى أصبح – الجان – مدعاة للتندر من أجل التشكيك لا من أجل الحقيقة.

اليوم، صارت تقارير (الجان) الذي يسيطر على سلوك موظف تتهمه السلطات بالرشوة، تقريراً يقدم إلى الجهة المعنية. أصبحت تقارير الجان، وبأم عيني، تقارير يتقدم بها الطلاب إلى أروقة الجامعات لتفسير قصة غياب عن قاعات الدراسة أو إخفاق في أوراق الامتحانات. أصبحت أيضاً، وللأسف الحار، رسائل إثبات إلى دوائر الاستفتاء لشرح بعض حالات الطلاق، عذراً للزوج أنه لم يكن في كامل السيطرة على تصرفاته لحظة غضب طائش. لم يتبق إلا أن نسجل محاضر التحقيق في القضايا التي لا نجد عليها دليلاً إلا أن نختمها بالعبارة الدرامية: سجلت القضية ضد جني. انتهى زمن تسجيل القضايا ضد مجهول. وبعد فتح باب الجان، لماذا لا نسجل قضايا كارثة جدة ضد جني، مع الأخذ بالاعتبار أن جنياً واحداً لن يكفي وسنحتاج معها إلى طابور من الجن. لماذا لا نسجل بعض قضايا الإرهاب والجنوح الفكري المتطرف ضد طابور آخر من الجن، وبالمناسبة، لماذا لا يخبرنا الإخوة الفضلاء من (مستنطقي) الجن، ما إذا كان للجن بعض الخلايا الإرهابية النائمة؟ لماذا لا نسجل بعض قضايا نهب الأراضي إلى بعض المستثمرين الجشعين من الجن، وأكثر من ذلك هل بيننا من الجن من يتستر على الأملاك والعمال المكفولين تحت أسماء – آدمية -. هل يستطيع الإخوة الفضلاء من مستنطقي الجان أن يبرهنوا لنا ما إذا كان – الآدمي – من بيننا يذهب لإدارة العقود والمشاريع والمناقصات الحكومية والتوريد وهو مجرد جسد كرتوني أسلم رأسه وعقله للجان وهل يستطيع هؤلاء، مثلاً، أن يذكروا لنا حالة معاكسة على النقيض يشتكي فيها الجان من تلبس ابن آدم له. لا أدري فأنا أحياناً أتعاطف مع الجن: أشعر أن ابن آدم أحياناً أكثر شيطنة وأبلسة من الجان وأشعر أن الجن هم الأكثر حاجة لاستنطاق ابن آدم.