في الأسبوع الماضي وافق مجلس الوزراء السعودي على إنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتكون ذات شخصية اعتبارية وتتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية بهدف تنظيم وتنمية هذا القطاع ورفع إنتاجيته وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال توليد الوظائف وتوطين التقنية.
وعلى صعيد الاقتصاد العالمي تعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة معجزة لعوائدها الكبيرة التي ارتفعت حصتها إلى 46% من إجمالي الناتج العالمي، وتجاوزت قيمتها المضافة 80% من إجمالي القيمة المضافة العالمية، وفاق عدد العاملين فيها 76% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص حول العالم.
وعلى صعيد الدول، حققت المنشآت الصغيرة والمتوسطة معجزة في القطاع الخاص، لترتفع نسبة مساهمتها إلى 89% في أميركا وأوروبا و95% في كوريا الجنوبية و97% في اليابان، وزادت قدرة استيعابها للعمالة الوطنية بنسبة 55% من إجمالي العاملين في أميركا و68% في أوروبا و80% في اليابان و90% في كوريا الجنوبية و34% في الدول الخليجية. لذا تربعت هذه المنشآت على قائمة أكثر القطاعات مساهمة في الناتج المحلي لتصل إلى 75% في كوريا الجنوبية و65% في اليابان وأوروبا وأميركا و48% في أستراليا وكندا، بينما لا تزيد هذه المساهمة عن 33% في الدول الخليجية.
ومن إجمالي الصادرات بلغت مساهمة صادرات المؤسسات الصغيرة 72% في أميركا و63% في أوروبا و60% في الصين و56% في تايوان و70% في هونج كونج و44% في كوريا الجنوبية، بينما لا تزيد هذه النسبة عن 4% في الدول الخليجية.
ولكون هذه المنشآت تلعب دورا بالغ الأهمية في التنمية الاقتصادية، تقدم مختلف دول العالم كافة أشكال الرعاية والتشجيع لها، فلجأت الصين والهند إلى توفير المشاريع العديدة لمنشآتها التي زادت عن 10 ملايين مشروع خلال العقد الماضي، وشكلت نحو 90% من العدد الإجمالي للمشاريع الاقتصادية في كلا الدولتين. وقامت دول الاتحاد الأوروبي بتوفير التعليم المهني المجاني للعاملين في منشآتها، لتستقطب 60% من مجموع الأيدي العاملة في الاقتصاد الأوروبي، بينما أطلقت اليابان معاهد إدارة الأعمال والتقنية لتسخير مواردها البشرية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقوم هذه المعاهد بتدريب 40 ألفا من العاملين سنويا وعلى فترات مختلفة في مجالات التطوير الإداري والتقني ودعمتها بأكثر من 1200 خبير في الإدارة والإنتاج والتسويق والمحاسبة المالية وتقنية المعلومات. كما لجأت اليابان إلى تمويل هذه المشاريع بقروض ميسرة لإعادة هيكلتها وتطوير إداراتها ورفع قدراتها التنافسية.
ولحرصها على نجاح منشآتها الصغيرة والمتوسطة، قامت معظم دول العالم بتحديد المعايير والضوابط اللازمة لتنظيم وتطوير هذه المنشآت على النحو التالي:
أولاً: معيار حجم العمالة، الذي يعتمد على القدرة الاستيعابية للعمالة الوطنية في هذه المنشآت من خلال أقسامها الثلاثة، المكونة من القسم المُصغّر الذي يستخدم (1-9) عُمال، والقسم الصغير الذي يستخدم (10-199) عاملا، والقسم المتوسط الذي يستخدم (200-499) عاملا.
ثانياً: معيار رقم الأعمال، الذي يعتمد على مقدار القيمة المضافة الحقيقية التي تجنيها هذه المؤسسات لدى تنفيذ مشاريعها، وتشمل قيمة وأهمية المنشآت وتصنيفها من حيث قدراتها التنافسية وتطوير أدائها من خلال الرقم القياسي المستخدم لتوضيح نموها الحقيقي وليس الاسمي.
ثالثاً: معيار رأس المال، الذي يعتمد على مقدار التزام رجال الأعمال بدفع رأسمال منشآتهم وحجم تمويلها وطاقتها الإنتاجية. ويختلف هذا المعيار من دولة إلى أخرى ومن قطاع إنتاجي إلى آخر، حيث يتراوح رأس المال في الدول النامية بين (35-200) ألف دولار، ويصل في الدول المتقدمة إلى 700 ألف دولار.
رابعاً: معيار القدرة التسويقية، الذي يعتمد على القدرة الإنتاجية والتصديرية للمنشآت بالنسبة لرأسمالها، بالإضافة لقدرتها على استقطاب العمالة الوطنية في مشاريعها وحجم طاقتها الإنتاجية.
خامساً: معيار التنظيم القانوني، الذي يعتمد على طبيعة ملكية المنشآت وطريقة تمويلها وتنظيم أحكامها. ويتم تصنيف المنشآت الصغيرة والمتوسطة بهذا المعيار إذا أثبتت قدرتها على تقنين العلاقة بين الملكية والإدارة، وحدود الصلاحيات والمسؤوليات المعتمدة، وعمق نطاق الإنتاج للسلع والخدمات المحددة، واعتمادها على مصادر التمويل والاستقلالية.
سادساً: معيار الحصة في السوق المحلي، الذي يعتمد على قدرة المنشآت التنافسية وليس على أساليبها الاحتكارية.
ونظراً لأن المملكة تتمتع بالمزايا التنافسية الفريدة بين دول العالم، التي تضعها في مقدمة الدول القادرة على الاستفادة من منشآتها الصغيرة والمتوسطة، والمتمثلة في استثنائها من مبدأ المعاملة الوطنية في مشترياتها الحكومية وتفضيلها على المنتجات الأجنبية، إضافة إلى قدرة المملكة على تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة بقروض ميسرة، وتشجيع صادراتها من خلال اتفاقية تمويل التجارة المبرمة بين الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، فإن قرار مجلس الوزراء سيحقق النمو الاقتصادي المتسارع المأمول من هذه المنشآت.
في عصر العولمة تحدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة مستوى القدرات التنافسية للدول، لكونها القطاع الإنتاجي الأكثر مساهمة في نمو الناتج المحلي وتوليد الوظائف للمواطنين، لتصبح هذه المنشآت المحرك الأساسي للاقتصاد. لذا قامت دول العالم بوضع هذه المنشآت على رأس قائمة أولوياتها، وأصبحت قاعدتها الأساسية في توظيف مواطنيها بمختلف أنشطتها التجارية والصناعية والتقنية والهندسية والطبية والسياحية.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى تنظيم وتشجيع منشآتنا الصغيرة والمتوسطة ومنحها الدور الأكبر في مشترياتنا الحكومية ومشاريعنا التنموية لتحقق الغرض من إنشائها الهادف لإثراء القيمة المضافة المحلية وزيادة صادراتنا غير النفطية، فهي المعجزة الحقيقية التي أثرت اقتصاديات مختلف دول العالم في قريتنا الكونية.