من غير المعقول أن نسأل أي امرأة في الشارع عن سبب العنف ضد المرأة، ذلك أن هذا السؤال يوجه للمرأة المعنفة تحديدا، فهي وحدها تعرف حيثيات المشكلة. الأمر نفسه ينطبق على دراسة مسببات أي قضية ومنها قضايا الإعلام.
إذا أردت أن تعرف هل الإعلام تسبب في إفساد الناس "مثلا" لا تسأل أي مشاهد، لكن تحديدا اسأل مشاهدا فاسدا! فإذا قال لك إن الإعلام وليس المخدرات أو العطالة أو الجهل أو غيرها من الأسباب حينها، وحينها فقط، يمكن لك أن تصعد على منبرك أو "على حسابك في تويتر" وتتهم الإعلام بما ظننت لكن هذا الإثبات يستحيل أن يُنجز.
سبقنا إلى هذا الجدل الكندي "ألبرت بندورا" صاحب نظرية "التعلم بالملاحظة". يقول بندورا، إنه يمكن لسلوكيات الإنسان أن تتغير بالملاحظة، وهو بذلك يتفق مع أصحابنا الذين يتهمون الإعلام بما ليس فيه، فكان رد الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين عليه كالتالي:
رهط يقول، إنه إذا كانت السلوكيات فعلا تتحدد بالمشاهدة، فلماذا قلة من الناس يتأثرون والبقية يعيشون حياتهم كما لو أنهم لم يشاهدوا؟
إذا كانت هذه نظرية صحيحة فستنطبق على كل البشر وليس قلة دون غيرهم.
ورهط يقول، إن الناس يتأثرون بالعمل الإعلامي بشكل مختلف، كلٌ وفق حياته العائلية وخلفيته الثقافية وعمره ومكانته وغيرها من العوامل، فمن الطبيعي أن تختلف ردود أفعالهم ويصبح من الصعب الحكم عليها بأمر واحد.
ورهط يقول، إذا كنت ستخاف على سلوكيات المشاهد من التأثر سلبا بسبب العمل الإعلامي، سينتهي بك الأمر إلى تكرار أعمال تقليدية دون أي تجدد إبداعي يفاجئ المشاهد ويوافق تطلعاته.
ورهط -هذا الذي أظنه منتصرا-، بقيادة البريطاني "ستيوارت هُل"، حلّ هذه العقدة، وأنهى الجدل بشكل يقنع كل الأطراف.
يقول "ستيوارت هُل" إن المشاهدين ليس مجرّد آلات مغيّبة تمتص كل ما تراه على الشاشة، وإنما هم يقرؤون أي عمل إعلامي بثلاثة أشكال مختلفة: المشاهد الأول هو الموافق والمسلّم بما رأى، المشاهد الثاني هو المحايد، المشاهد الثالث هو الناقد الرافض.
وبذلك يمكن القول، إن الإعلام بريء من كل التهم، ذلك أن المشاهد هو المسؤول عن إصلاح أو إفساد نفسه، بواسطة قبوله بما رأى أو الحياد أو عدم الامتثال.