ارتبطت حياة الكثير من العلماء والفلاسفة بالمعاناة والآلام. لكأن التغيير يحتاج إلى مخاضٍ شديد لينضج ويتكوّن كما تتكوّن الأجنّة في الأرحام. ولنضرب على من أصيبوا بمحنةٍ في حياتهم بالعالم والفلكي الإيطالي "غاليليو" الذي ولد في مدينة بيزا في 15 فبراير شباط 1564.


غاليلو على عكس معاصريه الذين ألفوا السؤال الشهير: ماذا قال أرسطو؟ آمن غاليليو بأهمية التجربة. حينما حضر قداساً في الكنيسة توصّل إلى اكتشافه المهم وكان حينها يتابع دروسه في الطب، في كنيسة "بيزا" لاحظ أن الشمعدان المتدلي من السقف كان يتأرجح فوق رؤوس الحاضرين، وتبين له أن أوقات الجفاف تزيد من مدى تأرجح الشمعدان، لكن الوقت الذي يستغرقه لقطع مسافة الذهاب والإياب، لا تتأثر بمدى ذلك التأرجح، وتابع تجاربه على الرقاص في المنزل، حيث اكتشف أن تأرجحه يعتمد على طوله وليس على المسافة التي يقطعها ذهاباً وإياباً.


إبان دراسته للميكانيكا توصل إلى كشف مهم وهو: أن معدل سقوط الأجسام لا يعتمد على كتلتها، خارجاً بذلك على أسطورة أرسطو ونظرياته وفاتحاً فتحاً جديداً لتاريخ العلم الحديث. بعد ذلك أدمن غاليليو دراسة تدحرج الكرات على سطحٍ مائل واستطاع أن يحسب معدل سقوطها من دون استخدام الساعة، وقاده الأمر إلى ثلاثة اكتشافات أخرى، تمثل الاكتشاف الأول في ملاحظته أن الكرات التي تسقط من علو معين، لا تتأثر بالزاوية التي تبدأ منها حركة السقوط، ونصّ الثاني على أن سرعة سقوط الأجسام يتعرض لتسارع مستمر، وذلك على عكس ما نادى به أرسطو الذي رأى أن سرعة سقوط الأجسام ثابتة.





أما اكتشافه الثالث أن هناك علاقة دقيقة بين العلو الذي تسقط منه الأجسام والمدة التي تستغرقها للوصول إلى الأرض، وبين أن تلك المسافة تعادل زمن السقوط مضروباً بنفسه. فمثلاً يقطع الجسم الساقط في ست ثوان مسافة تساوي أربعة أضعاف تلك التي يقطعها في 3 ثوان، ولعبت هذه المعادلة دوراً كبيراً في توصل اسحاق نيوتن لاحقاً إلى صوغ "نظرية الجاذبية الكونية".


لم ترق قناعات غاليليو في دوران الأرض والكواكب السيارة للكنيسة، وفي سنة 1632 نشر غاليليو كتابه "حوار بين النظامين الرئيسيين في العالم" الذي يعتبر من أبرز الكلاسيكيات في العلم، لكنه كاد أن يودي بحياة مؤلفه، وفي عمر يقارب 69 سنة أُحضر غاليليو إلى محكمة تفتيش، وأجبر على إنكار أفكاره، تحت طائلة الإعدام حرقاً، عن دوران الأرض حول الشمس... وبقي 8 سنوات تحت الإقامة الجبرية.


يبقى الفلاسفة الكبار والعلماء والمصلحون الذين يغيّرون نظرات الناس للعالم، ويحاولون تغيير السائد في مجتمعاتهم، تحت سطوة المحن، ولولا أنهم صبروا على ما واجهوا لما تطوّرت أساليب حياتنا وطرق عيشنا. شكراً غاليليو، وللسائرين على دربه!