وصف الدبلوماسيون الأميركيون نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يمثل "تهديداً وجودياً" للغرب، خاصة بعد أن تدخل في أوكرانيا، ثم سورية، في حين التزم القادة الغربيون، بما في ذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما، أسلوباً دفاعياً قائماً على رد الفعل، في التعامل مع ذلك التهديد.
ولإيقاف الرئيس بوتين عند حده، يبدو الأمر سيكون أفضل إذا ما اتخذنا الأسلوب الهجومي، غير العسكري، لإيقافه. وكخطوة أولى ينبغي إغلاق آلة دعايته الخطيرة، شبكة (روسيا اليوم) المعروفة اختصاراً بـ"RT"، التي تعمل بنظام الكابل، والممولة من قبل الدولة، ليس بسبب ما تبثه من معلومات دعائية وبيانات مغرضة ضد الغرب، وإنما بسبب قرارين صدرا العام الماضي عن محكمتين مختصتين ضد الحكومة الروسية: محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، اللتين قررتا أن الحكومة الروسية مدينة بمبلغ 52 مليار دولار كقيمة تعويض عن الأضرار التي لحقت بحملة أسهم شركة "يوكوس" منذ حلها من قبل السلطات الروسية.
وكانت الحكومة البريطانية قد جمدت بالفعل الأصول التابعة لشبكة "RT" الحكومية، امتثالاً لقرار المحكمة الصادر في هذا الشأن، وكذلك فرنسا وبلجيكا شرعتا في اتخاذ إجراءات، تهدف إلى تجميد أصول مملوكة للدولة الروسية للأسباب نفسها.
ومن المعلوم أن "RT" تُعتبر عنصراً فاعلاً أساسياً في آلة بوتين الدعائية الرامية إلى تشويه سمعة الغرب، والتعتيم على حقيقة الأفعال الروسية. فلهذه الشبكة قدرة وصول عالمية من خلال الكابل والإنترنت حيث تدعي الحكومة الروسية أن عدد متابعيها عبر العالم قد وصل إلى 700 مليون مشاهد في 100 دولة. وفي الولايات المتحدة، تمتلك الشركة مكاتب عديدة عبر مختلف ولاياتها، وكذلك المدن الكبرى في الدول الأوروبية.
وبالطبع فإن هذه الحقائق تجعل من "RT" هدفاً مغرياً للعقوبات الدولية، وخصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن تكبد الحكومة الروسية لمبلغ 52 مليار دولار أميركي في الوقت الراهن، يُعتبر ضربة في الصميم لاقتصادها، خصوصاً على ضوء معاناتها من أزمة اقتصادية، وانخفاض أسعار النفط، والضغط الذي تشكله عليه العقوبات المستمرة المفروضة على روسيا.
وفي اعتقادي، أن أفضل رد على تلك التهديدات الروسية يتمثل في قيام الدول الغربية بالعمل من خلال جهد منسق لإيقاف روسيا عن التمادي في أعمالها، وأن نضع في اعتبارنا أن أي إجراء تقوم به موسكو مقابل الإجراءات التي تفرض عليها، كفيل بتنفير المستثمرين والمؤسسات الأجنبية من روسيا وخروجهم بشكل جماعي، وهو ما لن يستطيع الاقتصاد الروسي الضعيف تحمله.
لقد حان الوقت لقيام الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين بتلقين نظام بوتين درساً مؤداه أن هناك عواقب للسلوك المتحدي. وحان الوقت أيضاً كي يتحول العالم الديمقراطي من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم في التعامل مع هذا النظام المتمادي المتحدي.