("اليوم زففناه عريسا إلى مثواه الأخير"، هكذا عبر سعيد آل مرضمة رئيس النادي الأدبي في نجران، بعد الانتهاء من مراسم دفن والده الشهيد آل مرضمة... وكشف سعيد آل مرضمة، في لقاء مع "العربية نت" يوم الثلاثاء "الـ14 من محرم 1437"، عن أن جسد والده لم يصب بأي تشوهات، رغم التحامه مع الانتحاري، مضيفا عن حالته أول ما سمع بخبر التفجير والتحام رجل بالإرهابي: لم أتوقع أن يكون والدي البالغ من العمر 95 عاما هو من آثر نفسه، وتمكن من إيقاف الانتحاري ومنعه من الدخول إلى وسط المسجد").
رحمك الله أيها الشيخ علي آل مرضمة وأحر التعازي لذويك ووطن كنجران هذا فعل شيوخه لا يخاف عليه. مقدمة مستحقة وتحية لبطولة تستحق أن نسطر لها الصفحات، فمن مراهق الدمام لشيخ نجران رسالة فداء عظيمة تعجز عن وصفها الكلمات.
وقبل أيام أيضا توفي سعد النايل، رحمه الله، وهو الرجل الذي اكتشف وجود 51 كيلوجراما من مادة TNT المتفجرة قبل سنوات طويلة في حقائب الحجاج الإيرانيين القادمين على إحدى الرحلات، وحمى، رحمه الله، آلافا من الحجاج من موت أريد لهم ولمن لا يعرفه أن يبحث عن قصة بطولته مصورة.
من محاولة تفجير الحجاج لتفجير المساجد الرسالة واحدة: القتل للأبرياء لأهداف سياسية وترويعا لأمن الآمنين... لن أنظر اليوم للمجرم لكن تعالوا ننظر للثقافة التي تصنع الأبطال وتخلدهم، ولنبدأ من البداية بالتعاريف.. الثقافة مادتها في اللغة العربية تعني كما ورد في لسان العرب (ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه..... ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم).
والتثقيف هو تقويم اعوجاج الرماح لذا قال عنترة: (بمثقف صدق الكعوب مقوم).
نحتاج إلى روافد ثقافية تدعم نشر ثقافة الحياة الفاعلة المبنية على أن ننال نصيبا من الدنيا؛ وبحكم خوضي تجربة قريبة يوم الأربعاء الماضي خلدت ذكر وذكرى رجل رائع مرّ بأرضنا وأقام عليها وأثر في كل من عرفه -وأنا منهم- حتى وفاته وهو الأستاذ الدكتور حسن ظاظا الذي لن تملك صفة واحدة تختصره فيها، فهو عالم باللغات وفقهها المقارن، ومختص باللغة العبرية، كان يجيد ثماني لغات حية قراءة وكتابة وتحدثا، وهو أيضا عالم بالآثار، وبعد إنهاء عمله كأستاذ بالجامعة عمل مستشارا بجائزة الملك فيصل بقرار من صاحب السمو الملكي خالد الفيصل، تكريما له واستبقاء لعلمه وفضله بيننا.
في تلك الليلة اجتمع جمع مميز من محبي الدكتور حسن ووصف مقدم اللقاء الأستاذ عبدالعزيز العيد الفنان التشكيلي راضي جودة الذي أمتعنا بالحديث عن الراحل بـ(المصرودي) وبين أنه نحت كلمتي مصري وسعودي لحبه للمملكة وطول بقائه معززا مكرما بيننا. يطول الحديث عن جمال تلك الليلة التي ستتاح خلال هذا الأسبوع على اليوتيوب، بمشيئة الله؛ ولكن ما يعنيني هنا هو فكرة مهمة يقوم بها الدكتور سعد البازعي منذ سنوات وخلال الملتقى الثقافي بجمعية الثقافة والفنون وهي نشر الثقافة ووصل جيل الشباب بثقافة غيبها الفاصل الزمني عنهم؛ وتحقيق تلاحم ثقافي بين الأجيال؛ أكثر ما أسعدني من تعليقات أبنائنا بناتا وشبابا أنهم عرفوا رجلا عظيما؛ وكما أخبرنا الفنان والأستاذ راضي أن أحد الحاضرين بقي يبحث طوال الليل عن الراحل حسن ظاظا وعاد يوم الخميس ليسأل المتحدث عما عرفه من خلال بحثه ويستزيده.
صناعة الثقافة وإتقان الفنون هي التي تصنع الإنسان الحقيقي المنشغل بالإبداع والمشتغل به؛ في نفس هذا الأسبوع حضرت مجموعة من المحتسبين لمناصحة جمعية الثقافة بخصوص تعليم الموسيقى وشتان بين مُشرِّق ومُغرِّب!
وقبل أن أتوقف عند ما قاموا به لنتساءل من حول هذا السلوك لثقافة تعطي الحق لك أن تعترض على مؤسسة أو جهة اعتبارية في الدولة وتحاول منعها من القيام بما أنشئت له أصلا فاسمها مرتبط بالفنون وتوجد موسيقى بالداخل وعلامة التعجب التالية للمناصح وليست للجمعية!
سعد الحارثي فجر نفسه رغم المناصحة ؛وليت المناصحة تتجه للشباب المنجرفين وراء الإرهاب وينصحونهم ببناء الحياة وتعلم الفنون قبل أن يشعلوا فتيل الموت في أجساد المصلين!
ماذا أراد المناصحون؟! أرادوا أن تتوقف الجمعية عن تعليم الموسيقى ولكنهم في نفس الوقت يجهلون أن إقصاء الفنون بجميع أشكالها عن حياتنا هو الذي حوَّل المملكة إلى البلد الوحيد الذي يسافر أفراده ليشاهد السينما ويدعم اقتصاد الدول الخليجية المجاورة له؛ البلد الوحيد الذي يحضر حفلات مطربيه خارجه!
ماذا فعلت بنا ثقافة الصحوة في مجال محاربة الفنون؟! عدا أنها هجّرت فنوننا للخارج، ونشرت ثقافة الاستراحات الخاصة التي يمارس بها الرجل ما يشاء من عزف وغناء بعيدا عن الرقابة؛ وربما يحدث خلف الأبواب المغلقة ما لا تحمد عقباه؛ فأكبر مصائبنا الإرهاب والمخدرات تدار بهذا المعزل الذي ارتضته لنا صحوة تحارب أبسط رغبات الإنسان في التعاطي مع الإبداع!
فكّر أيها المناصح هل بإمكانك التنقل بين الاستراحات الشبابية والتغلغل فيها ومعرفة خفاياها؟!
أم أنك تجد أبوابها مغلقة في وجهك ولا تقوى على اقتحامها حتى تجد من يأتيك بنبأ عظيم!
ناصحوا بعض المناصحين فهم يظنون أن أكبر مصائبنا تعلم الموسيقى وأنشئوا لهم دورات ليعرفوا أن الترتيل موسيقى وليخرجوا من ثقافة تجريم الآخر لثقافة الحياة والفن والجمال.