تركت الإيميل .. ومقالات الصحف لمدة ثلاثة أسابيع لانشغالي بإعداد عمل عن الإعلام الجديد. وعندما عدت، لم أتفاجأ بأي جديد فالمواضيع ما زالت مُكررة .. والنقاش حولها محتدماً كالعادة بعد أن تخطتها بقية المجتمعات منذ سنوات عديدة. وكما توقعت، لم يتوقف الجدل الانفعالي حول عمل المرأة في السوبرماركت (كاشير). حتى يخيل لمن يرانا من الخارج أن مستقبل العالم سوف يتوقف على بزوغ فجر جديد وراء حرمان المرأة من حق العمل. لكن سرعان ما يكتشف أن الجدل لا طائل منه، ولن يؤدي إلا إلى تضييع الوقت وعدم التفكير في الأهم والمفيد!
أتمنى من هؤلاء أن يتريثوا ويسألوا أنفسهم: ما الذي يشغل بال المجتمعات الأخرى على سبيل المثال في تركيا وماليزيا. لو أنهم فعلوا ذلك، لشاهدوا الحقيقة بأعينهم. وأنا على يقين أنهم سوف يقارنون بين الذي حصدناه من الحراك الجدلي طيلة السنوات الماضية وبين الذي حصدته هاتان الدولتان نتيجة الحراك الإيجابي، الذي حولته إلى عمل خلاق أخذ بمجتمعاتها نحو العالم الأول. عندئذ على مجتمعنا أن يختار بين العيش في خطاب تضييع الوقت وبين خطاب العمل إلى الأمام.
ليس من الضروري القول إن تركيا الآن تعد أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط أو أنها تتساوى مع إسرائيل في الأولوية. ولديها أول مدينة معرفة ذكية في المنطقة تضاهي كبريات مدن الإبداع في العالم. ولكن من الضروري القول إن أهمية تركيا البلد العلماني، تكمن في بزوغ تيار إسلامي مستنير تفاعل مع العصر الحديث فلم يشغل باله بتصدير الفتاوى التي تفرط في تجانس المجتمع. من أجل ذلك نجح في مشروعه لأنه يؤمن بالتعددية وحق جميع أطياف المجتمع في صياغة المستقبل رجالاً ونساء. أما ماليزيا البلد المسلم، فقد استفادت من الابتعاث الخارجي وكونت أجيالاً متعلمة من الرجال والنساء حملوا بلادهم إلى مصاف الدول المتقدمة خلال ثلاثين عاماً. لذلك لم يتأثر اقتصادها بأكبر أزمتين هزتا العالم بل خرجت منهما كأقوى ما تكون.
لقد أشغلونا بتضييع الوقت في جملة محرمات مصطنعة. ولو فكر المستنيرون بمثلما فكر المستنيرون في تركيا وماليزيا، لاتهمهم عشاق تضييع الوقت منذ عشرات السنين، بأنهم علمانيون وليبراليون. ولأدخلوا المجتمع في باب آخر من الجدل ليس حول المواضيع التي تجاوزتها المجتمعات الأخرى، بل حول التكفير والتخوين. لذلك علينا أن نعترف أن غيرنا يتقدم، وما زال في مجتمعنا من يضيع الوقت فيما لا طائل منه.