بالرغم من كمية التفاؤل الكبيرة التي تسكننا تجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه من رائحة اليمن السعيد، من خلال أبطال التحالف العسكري بقيادة المملكة؛ ضد ميليشيات الحوثي وصالح؛ إلا أنه لا يمكن أن تشاهد اليمن الذي مزقته ميليشيات الطائفية والحقد والكراهية، دون أن تحزن.

كل ذاك تذكرته، وأنا أتذكر أبرز وجوه اليمن الثقافية في الخمسين سنة المنقضية، وجه الشاعر والمثقف اليمني الكبير عبدالله البردوني، رحمه الله، وهو تحت التراب الذي عشقه، وغنّى من أجله، ومات في حُبه.

لا يمكن لأي ناقد، أو حتى قارئ بسيط، أن يذكر الشعر اليمني الحديث، دون أن يضع اسم عبدالله البردوني في أول القائمة، كواحد من أهم رموز الشعر العربي الحديث، واليمني على وجه الخصوص.

السمة البارزة لشعر البردوني، هي السخرية اللاذعة بحزن، أو ما يعرف اصطلاحا بـ"الكوميديا السوداء"، وهو في جانب كبير من شعره، إذ تناول الهم السياسي بالذات، لكنه لم يكن يفعل ذلك انطلاقا من اهتمامه بالسياسة نفسها، أو ليطمع أن يرضي بأشعاره حزبا سياسيا ليغضب آخر، بل كان كل همه من ذلك النتاج الشعري السياسي، اليمن الوطن، في دائرته الأوسع، وفي قيمه العليا، وفي شكله الأجمل.

الشاعر الكفيف ذاك، كان من أكثر شعراء اليمن وفاء لأرض اليمن، ولهذا كانت قصائده تعجّ بمفردات الألم اليومي المُعاش، وأزمة الاغتراب، ومشاكل الفقر والبطالة، والمعارك السياسية الطاحنة على السلطة وحولها، ولهذا كان شعره يُشكل مسحا فوتوجرافيا ووجدانيا لكل آلام اليمن، ولعله في بعض أشعاره كان كمن يتنبأ بتمزق اليمن الراهن، إذ يقول:

يمانيّون في المنفى

..ومنفيّون في اليمن

إذا كان مُسمى اليمن السعيد، هو الأشهر كلما ذكر اسم اليمن، فإن عبدالله البردوني، هو اليمن الحزين.