تعتبر جدلية "الهوية الثقافية والعولمة"، أحد أبرز الإشكالات التي عاشها العرب خلال السنوات العشر الماضية، والتي وصلت في بعض مراحلها إلى حد الخصومة والنزاع لحماية ما سمي وقتها بحماية "الحاضنة العربية" من مخاطر الانزلاق صوب آليات العولمة الثقافية الغربية.
وبعد مرور عقد من الزمان، أعاد ناشرون مشاركون في معرض جدة، سمة الحروب للمشهد من جديد ولكن بـ "صمت" ودون أي نقاشات ساخنة، من خلال منصاتهم التي تستعرض العديد من المؤلفات، التي تتباين طبيعة إنتاجها بين من يدعو إلى الحفاظ على الخصوصية الثقافية العربية، فيما مؤلفات أخرى تدعو هي الأخرى إلى محاولة التقارب مع الأفكار الغربية، والابتعاد عن سياساتها بحكم الانفصال البائن بين الثقافة والسياسة.
الناشر المصري عبد المعطي سلام كان أحد الذين نقلت لهم "الوطن" تساؤلات أجواء الصراع الثقافي، والتي تستطيع أن تدركها عبر النقاشات السريعة بين أحاديث الزوار غير المعلنة، فبعض الدور وبخاصة التي تمركزت في المهجر الأوروبي والأميركي، يفضل البعض عدم الولوج إليها، بحجة توريدها لأنماط العولمة الثقافية، التي يرى فيه سلام أنها حالة طبيعية جاءت بفعل الأدوات اللغوية، والتي تتمثل في كثرة استعمال اللغتين الإنجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة، وقال: "إن اللغة حاملة للثقافة والحضارة الإنجليزية والفرنسية".
أحد الناشرين اللبنانيين وهو "توني برا" ذكر في نقاش مطول مع "الوطن" أن المسألة تعود حديثاً بفعل السياسات الغربية والأميركية من أزمات المنطقة العربية، وحالة التخبط الكبير الذي تعيشه نخبتهم المثقفة وعدم القيام بواجبهم وما يصحح مسار سياساتهم، تعتبر الركيزة الأساسية عودة مشهد الحروب بين الخصوصية والهوية الثقافية العربية، وبين كل ما هو غربي.
وقال برا: "استعراض بانورامي على المؤلفات المعروضة، وتضادات كل مؤلف يتناول الهوية العربية الثقافية والاجتماعية، تجاه الداعين للحضارة الغربية، تستطيع أن تعتبر الإنتاج الأدبي ردة ثقافية عند الشعوب العربية".