سأتحدث عن ملامح شكلين من أشكال التفكير في القضايا الأخلاقية والاجتماعية بشكل عام. هذه الأشكال لها علاقة بتوجيه مسار تفكيرنا في ما نراه حقا أو باطلا وخيرا أو شرا وما يرتبط بهذا التفكير من تفاعل عملي. الشكل الأول أسميه منطق العدالة الذي يحاول فيه الفرد النظر لمشاهد التفاعلات والصراعات البشرية من منظار أخلاقي قائم على مفهوم العدالة، بمعنى أنه يحاول تقسيم المشهد إلى حق وباطل أو عدل وظلم ويتحرك بناء على هذه التقسيمة، بمعنى أنه يتفاعل مع المشهد وينحاز للحق ويقاوم الباطل بناء على معايير أخلاقية. وفي الشكل الثاني الذي أريد مناقشته نجد منطق الجماعة الذي يقرأ مشهد التفاعلات والصراعات بين البشر من منطق نحن وهم. أي من منطق هوية أطراف الصراع وعلاقته معهم. الانطلاق من هذه النقطة سيؤدي إلى نتائج أخلاقية بمعنى نتائج تتعلق بانحيازات الفرد لطرف دون الآخر أو حتى تقرير طبيعة الارتباط بين الفرد والقضايا الدائرة حوله.
الشكل الثاني "منطق الجماعة" يقوم على الانطلاق من تحديد العلاقة الاجتماعية بين الفرد وأطراف الصراع. من هم؟ هذا هو السؤال الأولي في هذا التفكير. نتائج الانطلاق من هذا السؤال تتفاوت. على الطرف نجد منطق "أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". هذه الصورة البيولوجية لهذا المنطق. الصورة الأخرى هي صورة نجدها عند العصابات بحيث يجب الوقوف مع أفراد العصابة ضد غيرهم بغض النظر عن الحق والباطل. هذه العصابة قد تتأسس على هدف مادي مباشر كعصابات المافيا أو تتأسس على نفع عقدي وأيديولوجي كعصابات التطرف والإرهاب. في الطرف الآخر من منطق الجماعة نجد أن الوقوف يكون مع عضو الجماعة ولكن ليس بالضرورة ضد القيم الأخلاقية. بمعنى أن هذا التفكير يقبل تخطئة فرد الجماعة، ولكن يبقى الالتزام له هو دون غيره. الإصلاح يكون لابن جماعتي بسبب الخطأ الذي ارتكبه ولكنه هو من يستحق اهتمامي ورعايتي حتى لو كان هو المعتدي. الطرف الآخر المظلوم هنا يجب أن يبحث عن جماعته للعناية به. المنطق السائد خلف هذه الصور من منطق الجماعة أن الانتماء للجماعة يفتتح التفكير في الصراعات المحيطة بالفرد وأحيانا يؤدي إلى تهميش أي معيار أخلاقي أو إلى الحفاظ على معيار أخلاقي ممكن أن يحكم بالخطأ على أفراد الجماعة، ولكنه يبقي الالتزام لهم وحدهم في الرعاية والإصلاح. في كثير من الأحيان يؤسس منطق الجماعة منطقه الأخلاقي الخاص تحت شعار: أخلاقنا هي ما نقرره نحن، ولكن نعدكم أيها الآخرون بالعدالة معكم. المهم هنا أن تؤسس الجماعة منطقها وأخلاقها الخاصة وتحاكم الآخرين بناء عليه.
الشكل الآخر من التفكير في قضايا التفاعلات والصراعات هو منطق العدالة، هذا المنطق يجعل التفاعل مع القضايا متأسسا أولا على حسبة المعتدي أو المظلوم، بمعنى أنني كفرد أفكر في القضايا انطلاقا من اعتقاداتي المتعلقة بكون أحد أفراد الصراع على حق والآخر على باطل أو على أن القضية مشكلة أخلاقيا ولا أستطيع الانحياز لطرف ضد الآخر. من المهم التذكير أن هذا المنطق لا يعني بالضرورة أن هذا الفرد لا ينتمي إلى جماعات في حياته، ولكنه يعني أن هذه الانتماءات لا تحدد مواقفه الأخلاقية. بمعنى أن الفرد الذي يفكر من منطق العدالة قد يكون مسلما ولكنه لا يعتقد بأن دين أطراف الصراع هو ما يفترض أن يحدد موقفه من صراعهم. كما أنه لا يعتقد بأن كون القضية تحتوي مسلمين لا يعني أن لها الأولوية على قضية أخرى لا تحتوي مسلمين. معياره سيكون مرتبطا بمفاهيم للعدالة مثل أن القضية التي تستحق الأولوية هي التي تمثل خطرا كبيرا على حياة عدد كبير من البشر. لذا الاهتمام بآثار زلزال في أي منطقة من العالم له الأولوية على الصراعات السياسية الأقل خطرا ولو كان أفرادها من نفس جماعتي. مثال آخر على معيار مرتبط بالعدالة هو أن أهتم أكثر بالقضايا التي أستطيع أن أقدم فيها مساعدة بغض النظر عن أطرافها. مثال على هذا أن أعتني بأقرب القضايا جغرافيا باعتبار أن قدرتي على المساعدة المباشرة ستكون أكثر فعالية مع قرب المكان. هذا المنطق إذن وإن كان لا يتعارض بالضرورة مع انتماءات الأفراد إلا أنه يرفض أمرين أساسيين: الأول أن يكون منطقي للعدالة تابعا لانتمائي للجماعة، والثاني أن تحدد انتماءاتي الجماعية موقفي من الاهتمام والانتماء للصراعات والتفاعلات في العالم من حولي. بهذا المنطق فإن تحديدي لما هو حق وباطل مرتبط بما أراه حقا وعدلا بغض النظر عن هوية أطراف الصراع، كما أن الآثار العملية لهذا القرار كالمساعدة والمشاركة في تخفيف الأضرار ستتحدد بناء على معايير مرتبطة بالعدالة وليست مرتبطة تحديدا بانتماءات دينية أو عرقية أو جنسية أو وطنية.
هذه إطلالة مبكرة وبسيطة على قضية المعايير والشروط التي تتحكم وتحدد أحكام الأفراد على التفاعلات والصراعات في العالم المحيط به وما يترتب عليها من مواقف عملية تتعلق بحركة الفرد الاجتماعية ودوره في الأحداث التي تحيط به.